وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٩٤)
اعلم أن الخوف من الله هو الخوف الأعظم ، فإنه المسلّط وبيده ملكوت كل شيء فأين الأمان؟ فالإنسان إذا كان في أمان في دنياه وفي ماله وعلى نفسه مما يؤذيه ، فعليه أن يخاف من الله مما في غيبه ، مما لا يعلمه ولا يعلم أوانه ، ولو كان الخائف يخاف الله مطلقا لتعلق خوفه على دينه ، فإن سبيل الشيطان إلى قلبه ليست آمنة ، كما أمنت السبل الظاهرة التي تمر فيها السفار من الناس. وإذا خاف الله شغله خوفه عن ماله ونفسه ، فإنه يخاف على دينه أن يسلبه منه الشيطان ، فالعاقل يجب أن يكون في حال أمنه خائفا من الله تعالى ، وأما قوله تعالى : (لِيَعْلَمَ اللهُ) فاعلم أن علم الله في الأشياء سابق لا يحدث له علم ، بل يحدث التعلق لا العلم ، ولو حدث العلم لم تقع الثقة بوعده لأنا لا ندري ما يحدث له. فإن قلت فهذا أيضا يلزم في الوعيد ، قلنا : كذا كنا نقول ، ولكن علمنا أنه ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه ، وبما تواطؤوا عليه في كل ما هو محمود ، فيعاملهم بذلك في شرعهم كذا سبق علمه ، وهذا لسان عربي مبين ومما يتمدح به أهل هذا اللسان ، بل هو مدح في كل أمة ، التجاوز عن إنفاذ الوعيد في حق المسيء ، والعفو عنه ، والوفاء بالوعد الذي هو في الخير. وهو الذي يقول فيه شاعر العرب :
وإني إذا أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
فكان إنزال الوعيد بعلم الله الذي سبق بإنزاله ، ولم يكن في حق قوم إنفاذه في علم الله ، ولو كان في علم الله لنفذ فيهم كما ينفذ الوعد الذي هو في الخير ، لأن الإيعاد لا يكون إلا في الشر ، والوعد يكون في الخير وفي الشر معا. يقال : أوعدته في الشر ، ووعدته في الشر والخير. وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فمما بين لهم تعالى ، التجاوز عن السيئات في حق من أساء من عباده ، والأخذ بالسيئة من شاء من عباده ،