أورثهم ذلك غضب الله تعالى مكانا ضيقا لما في الغضب من الضيق ، فكان المشرك مع أمثاله من المشركين ، كونهم مقرنين في الأصفاد.
(سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٥٢)
ـ الوجه الأول ـ (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) فهو بلاغ للإنسان من كونه من الناس (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) من كونه على قدم غرور وخطر فيحذروا (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي بفعل ما يريد ما ثمّ آخر يرده عن إرادته فيك ويصده (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) بما أشهدهم على نفسه أنه ربه ، ليقوم بما يجب على المملوك في حق سيده الذي أقر له بالملك ، فإن التذكر لا يكون إلا عن علم متقدم منسي ، فيذكره من يعلم ذلك ، فالقرآن بلاغ من وجه وإنذار من وجه وإعلام من وجه وتذكرة لما نسيه من وجه ، والمخاطب بهذا كله واحد العين وهو الإنسان ـ الوجه الثاني ـ ميز الله بين طبقات العالم ليعلموا أن الله قد رفع بعضهم فوق بعض درجات فقال : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) يريد طائفة مخصوصة لا يعقلون منه سوى أنه بلاغ ، يسمعون حروفه إيمانا بها أنها من عند الله لا يعرفون غير ذلك (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) في حق طائفة أخرى عينها بهذا الخطاب (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) في حق طائفة أخرى عينها بهذا الخطاب ، وأراد بالعلم هنا الإيمان ، وهو الذي يعول عليه في السعادة ، فإن الله به أمر ، وسميناه علما لكون المخبر هو الله فقال : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) وقال تعالى : (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) في حق طائفة أخرى وهم العلماء بالله وبالأمر على ما هو عليه ، فيتذكر أرباب العقول ما كانوا قد علموه قبل ، أي ما جاؤوا بما تحيله الأدلة الغامض إدراكها ، فإنها لب الدلالات ، والقرآن واحد في نفسه ، تكون الآية منه تذكرة لذي اللب ، وتوحيدا لطالب العلم بتوحيده ، وإنذارا للمترقب الحذر ، وبلاغا للسامع ليحصل له أجر السماع ، كالأعجمي الذي لا يفهم اللسان ، فيسمع