(١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١)
إن هنا بمعنى ما ، فعم بها وبشيء ، وجعله مخزونا في خزائن غيبه ، ولهذا قلنا إن الكون صادر من وجود ، وهو ما تحويه هذه الخزائن إلى وجود ، وهو ظهورها من هذه الخزائن لأنفسها بالنور الذي تكشف به نفسها ، فإنها في ظلمة الخزائن محجوبة عن رؤية ذاتها ، فهي في حال عدمها ، والحقيقة أنّا عن الحق صدرنا من كوننا عنده في الخزائن كما أعلمنا فعلمنا ، فهو صدور لم يتقدمه ورود كما هو في بعض الأمور فمن قال إن الصدور بعد الورود فما عنده علم بحقائق الوجود ، فلو لا نحن ثابتين في العدم ما صح أن تحوي علينا خزائن الكرم ، فلنا في العدم شيئية غير مرئية ، أما قوله : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) فذلك إذ لم يكن مأمورا ، فقيده بالذكر في محكم الذكر (إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) عندية الله على قسمين ، أعني ما هو عنده ، القسم الواحد ما هو عليه من الأمر الذي يعقل زائدا على هويته ، وإن لم نقل فيه إنه غير ولا عينه أيضا ، كالصفات المنسوبة إليه ، لا هي هو ولا هي غيره ، وقد يكون عنده ما يحدث فينا ولنا ، والكل عند الله ، فما ثم معقول ولا موجود يحدث عنده ، بل الكل مشهود العين له بعين ثبوت ووجود ، فالثبوت خزائنه ، والوجود ما يحدثه عندنا من تلك الخزائن ، والعندية أضيفت إلى الحق ، فاختلفت إضافات العندية باختلاف ما أضيفت إليه من اسم وضمير وكناية ، وهي ظرف ثالث ليس بظرف زمان ولا ظرف مكان مخلص ، بل ما هو ظرف مكانة جملة واحدة على الإطلاق ـ الوجه الأول ـ الخزائن :