(٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢٦)
لما خلق الله الإنسان من طين تركه مدة يختمر بما يمر عليه من الهواء الحار الذي يتخلل أجزاء طينته ، فتخمر وتغيرت رائحته فكان حمأ مسنونا متغير الريح ، ثم طبخت هذه الطينة بركن النار فظهرت فخارة الإنسان والتأمت أجزاؤه وقويت وصلبت ، فكان صلصالا كالفخار.
(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٢٧)
الجان خلقه الله قبل خلق آدم ، والجان مخلوق من الأركان ، وجعل أغلب جزء فيه النار ، كما جعل أعظم جزء في آدم التراب ، لذا علا إبليس عند نفسه لأن أصله من اللهب ، ولهب النار يطلب العلو ، فلهذا تكبر ، ولما كان لهبا كان إذا جاءه الهواء من أعلاه عكس رأس اللهب إلى السفل قسرا وقهرا ، كذلك إبليس لما جاءه هواه من تكبره على آدم لنشأته عكسه إلى الأرض فأهبط ، لا بل أهبط إلى أسفل سافلين.
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢٨)
لما غلب على آدم في نشأته التراب ، وله السكون بخلاف لهب النار ، ثبت على عبوديته وتواضعه فسعد ، وكونه (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) لهذا يتغير كل ما يحل فيه من الأطعمة والأشربة ويستحيل إلى الروائح القبيحة ، ويندرج في هذا الكلام النشأة الأخروية واستحالة ما يحل فيها من الطعام والشراب إلى الروائح الطيبة.
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٢٩)
خلق الإنسان الأول ـ لما خلق الله العالم من أفلاك وسموات وجان ومعدن ونبات وحيوان أخذ التراب اللزج وخلطه بالماء ، فصيره طينا بيديه تعالى كما يليق بجلاله ، إذ ليس كمثله شيء ، وتركه مدة يختمر بما يمر عليه من الهواء الحار الذي يتخلل أجزاء طينته ، فتخمر