سبحانه بالاشتغال بالرب من مقام التذلل فقال.
(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٩٨)
فالرب هنا بمعنى السيد ، وفي التسبيح بمعنى الثابت ، فأراد سبحانه بما أمره به من التسبيح الرباني والعبادة الربانية أن يغنيه عنهم إلى يوم يلقاه ، والتسبيح التنزيه ، وهو قسم من أقسام الحمد ، فهو ثناء بعدم ، وهو التنزه عن كل صفة تدل على الحدوث لاتصافه بالقدم ، واحذر أن تسبح الحق بعقلك ، واجعل تسبيحه منك بالقرآن الذي هو كلامه ، فتكون حاكيا لا مخترعا ولا مبتدعا ، فهو أعلم بنفسه منك ، وهو يحمد ذاته بأتم المحامد وهو قوله (بِحَمْدِ رَبِّكَ) فلا تسبحه تسبيحة واحدة بعقلك جملة واحدة ، فإن الأدلة العقلية كثيرة التنافر للأدلة الشرعية في الإلهيات ، فسبح ربك بكلام ربك وبتسبيحه ، لا بعقلك الذي استفاده من فكره ونظره ، فإنه ما استفاد أكثر ما استفاد إلا الجهل ، فلا تتعد بالفكر محله (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) يريد الذين لا يرفعون رؤوسهم أبدا ، ولا يكون ذلك إلا في سجود القلب ، ولهذا قال له عقيب قوله (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) تمم فقال.
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩)
ولما كان القسم بالرب ، جعل الحكم بالتسبيح لهذا الاسم والعبادة له ، حتى لا يكون لاسم آخر سلطان عليه في هذه النازلة على هذا المقام ، فقال له تعالى : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) وقال : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ) المنعوت في الشرع (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ـ الوجه الأول ـ فتعرف باليقين من سجد منك ، ولمن سجدت ، فتعلم أنك آلة مسخرة بيد حق قادر ، اصطفاك وطهرك وحلاك بصفاته ـ الوجه الثاني ـ اعلم أن الأسماء الإلهية نسب ، فمن عرف النسب فقد عرف الله ، ومن جهل النسب فقد جهل الله ، ومن عرف أن النسب تطلبها الممكنات فقد عرف العالم ، ومن عرف ارتفاع النسب فقد عرف ذات الحق من طريق السلب ، فلا يقبل النسب ولا تقبله ، وإذا لم يقبل النسب لم يقبل العالم ، فقوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ) نسبة خاصة من الاسم الرب المضاف (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) فتعلم من عبده ومن العابد والمعبود ـ الوجه الثالث ـ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) فينكشف الغطاء ويحتد البصر ، فترى ما رأى