هذا الوبال المعين ، وينتقم الله منه بمصيبة يبتليه بها ، إما في الدنيا وإما في الآخرة فإنه لم يعيّن. (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) أما من قتل صيدا خطأ فلا شيء عليه ، وإذا اشترك جماعة من المحرمين في قتل الصيد ، فإن عرف كل واحد من الشركاء أنه ضربه في مقتل ، كان على كل من ضربه في مقتل جزاء ، ومن جرحه في غير مقتل فلا جزاء عليه ، وهو آثم حيث تعرض بالأذى لما حرم عليه ، ولا يجوز للقاتل أن يكون أحد الحكمين ، وأما عن الإطعام فحيثما أطعم أجزأه لأن الله ما عيّن ، وأما الحالّ يقتل الصيد في الحرم فلا شيء عليه وهو آثم ، والمحرم إذا قتل الصيد وأكله فعليه كفارة واحدة.
(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٩٦)
اتفقوا على تحريم الصيد برا ، ويغلب على الظن الخبر الصحيح الوارد : أنه إذا لم يكن للمحرم في صيده تعمل وصاده حلال فله أكله ، فإن كلمة «صيد» في الآية تحتمل الفعل وقد يراد به المصيد ، فصيد البر حرام ما داموا حرما في المكان الحلال والحرام ، وسكانا في الحرام وإن كانوا حلالا أو حراما ـ الإشارة والاعتبار في الإحرام ـ لما أمر الله تعالى الإنسان أن يدخل في الإحرام فيصير حراما بعد ما كان حلالا ، وصفه بصفة العزة أن يصل إليه شيء من الأشياء التي كانت تصل إليه قبل أن يتصف بهذه المنعة ، إذ الأشياء تطلب الإنسان لأنها خلقت من أجله ، فهي تطلبه بالتسخير الذي خلقها الله عليه ، والإنسان مخلوق على الصورة ، ومن حقيقة الصورة التي خلق عليها العزة أن تدرك أو تنال بأكثر الوجوه ، فجعل لمن حصل الصورة بخلقه عزة وتحجيرا في عبادات من صوم وحج وصلاة ، أن يصل إليه بعض ما خلق من أجله ، فاعتز وامتنع عن بعض الأشياء ، ولم يمتنع عن أن يناله بعضها ، فما حرّمت عليه الأشياء على الحقيقة ، وإنما هو الحرام على الأشياء ، لأنه ما خلق إلا لربه ، والأشياء خلقت له ، فهي تطلبه ، كما أنه يطلب ربه ، فامتناع في وقت كامتناع ، ووصول في وقت كوصول ، فأبان سبحانه لك عن مرتبتك لتعرف موطن ذلتك من موطن عزتك ، وأنت ما اعتززت ولا صرت حراما على الأشياء منك ، بل هو جعلك حراما على الأشياء