وهو توحيد الإنذار ، وهو توحيد الأناية (أَنَا) (فَاتَّقُونِ) وهي نبوة خاصة بنبوة التشريع ، لأن الإنذار مقرون أبدا بنبوة التشريع ، ويكون الروح صورة قوله (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) فإنه لم يقل هو ، فكان الروح هو الملقى ـ وجه آخر ـ الملائكة هنا هي التي نزلت بالإنذار من أجل أمر الله لهم بذلك ، فاستوى في هذا التنزل في التوحيد رسل البشر والمرسلون إليهم ، والروح هنا ما نزلوا به من الإنذار ، ليحيى بقبوله من قبله من عباده كما تحيى الأجسام بالأرواح ، فحييت بهذا الروح المنزل رسل البشر ، فأنذروا بهذا التوحيد العظيم الذي نزل من جبار عظيم بتخويف وتهديد مع لطف خفي في قوله (فَاتَّقُونِ) أي فاجعلوني وقاية تدفعون بي ما أنذرتكم به ، هذا لطفه ، ليس معناه فخافوني ، لأنه ليس لله وعيد وبطش مطلق شديد ليس فيه شيء من الرحمة واللطف ، ومثل هذه الآية قوله تعالى (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) نبوة عامة (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) نبوة تشريع لا نبوة عموم ـ بحث في نزول الملائكة على البشر ـ قال بعض أصحابنا كالإمام أبي حامد الغزالي وغيره بأن الفرق بين الولي والنبي نزول الملك ، فإن الولي ملهم ، والنبي ينزل عليه الملك مع كونه يكون ملهما ، فإنه جامع بين الولاية والنبوة ، وهذا غلط عندنا من القائلين به ، ودليل عدم ذوق القائلين به ، وإنما الفرقان إنما هو فيما ينزل به الملك لا في نزول الملك ، فالذي ينزل به الملك على الرسول والنبي خلاف الذي ينزل به الملك على الولي التابع ، فإن الملك قد ينزل على الولي التابع بالاتباع ، وبإفهام ما جاء به النبي مما لم يتحقق هذا الولي العلم به وإن كان متأخرا عنه بالزمان ، أعني متأخرا عن زمان وجوده ، فقد ينزل عليه بتعريف صحة ما جاء به النبي وسقمه مما قد وضع عليه ، أوتوهم أنه صحيح عنه ، أو ترك لضعف الراوي وهو صحيح في نفس الأمر ، وقد ينزل عليه الملك بالبشرى من الله بأنه من أهل السعادة والفوز وبالأمان ، كل ذلك في الحياة الدنيا ، فإن الله عزوجل يقول : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وقال في أهل السعادة القائلين بربوبية الله أن الملائكة تنزل عليهم ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) من أولياء الله من يكون له ذوق الإنزال في التنزيل ، فما طرأ ما طرأ على القائلين بخلاف هذا إلا من اعتقادهم في نفوسهم أنهم قد عموا بسلوكهم جميع الطرق والمقامات ، وأنه ما بقي مقام إلا ولهم فيه