ذوق ، وما رأوا أنهم نزل عليهم ملك ، فاعتقدوا أن ذلك مما يختص به النبي ، فذوقهم صحيح وحكمهم باطل ، فمن هناك وقع الغلط ، ولو وصل إليهم ممن تقدمهم أو كان معهم في زمانهم من أهل الله القول بنزول الملك على الولي قبلوه وما ردوه.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣)
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) الحق هنا ليس عينا موجودة ، بل الباء هنا بمعنى اللام ، ولهذا قال تعالى في تمام الآية (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) من أجل الباء ، والأمر في نفسه في حق السماء والأرض ، وما أنزل (ما بَيْنَهُما) حتى يعم الوجود كله ، مثل قوله (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) كذلك ما خلق السموات والأرض إلا بالحق ، أي للحق ، فاللام التي نابت الباء هنا منابها عين اللام في قوله (لِيَعْبُدُونِ) فخلق السموات والأرض للحق ، والحق أن يعبدوه ، ولهذا قال : (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) فالحق تعالى لا يخلق شيئا بشيء ، لكن يخلق شيئا عند شيء ، فكل ما يقتضي الاستعانة والسببية فهي لام الحكمة ، فما خلق الله شيئا إلا للحق ، والحق أن يعبدوه ، فعلى الحقيقة إن الله لا يخلق شيئا بشيء ، وإن خلقه لشيء فتلك لام الحكمة ، وعين خلقه عين الحكمة ، إذ خلقه تعالى لا يعلل ، فالخلق عبد بالذات أثرت فيه العوارض ، ولا سيما الشخص الإنساني ، بل ما أثرت العوارض إلا في الشخص الإنساني وحده دون سائر الخلق ، وما سواه فعلى أصله من التنزيه ، تنزيه خالقه عن الشريك ، من هذا يتضح خطأ من جعل هذا الحق المخلوق به عين علة الخلق ، والحق تعالى لا يعلل خلقه ، هذا هو الصحيح في نفسه ، حتى لا يعقل فيه أمر يوجب عليه ما ظهر من خلقه ، بل خلقه الخلق منة منه على الخلق ابتداء فضل وهو الغني عن العالمين ، وكذلك خطأ من جعل هذا الحق المخلوق به عينا موجودة بها خلق الله ما سواها ، وهو صدور معلول عن علة أوجبت العلة صدوره ، وهذا فيه ما فيه (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) اعلم أن الله هو اللطيف الخبير العلي القدير الحكيم العليم ، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لما خلق الأشياء وذكر أن له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، وضع الأسباب وجعلها له كالحجاب فهي توصل إليه تعالى كل من علمها حجابا ، وهي تصد عنه كل من اتخذها أربابا ، فذكرت الأسباب في أنبائها أن الله من ورائها ، وأنها غير متصلة بخالقها ـ فإن الصنعة