العامة لا ترى الأنوار التي في كواكب السماء إلا زينة خاصة ، ويراها العلماء بمنازلها وسيرها وسباحتها في أفلاكها موضوعة للاهتداء بها ، فاتخذوها علامات على ما يبغونه في سيرهم في ظلمات البر والبحر.
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (١٧)
لما كانت القدرة الحادثة التي للمخلوق الذي اتّخذ إلها ، لا تزيد على قدرة العابد إياه ، فهي قاصرة عن سريانها في جميع الأفعال ، فإن القدرة الحادثة لا تخلق المتحيزات من أعيان الجواهر والأجسام ، فعبدوا من لم يخلق أعيانهم ، لهذا وبخهم تعالى بقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فالخلق هنا بمعنى الإيجاد ، ولذلك تمدح به تعالى ، وجعله فرقانا بين من ادعى الألوهية أو ادعيت فيه ، وفيه رد على عبدة الأوثان ، فنفى الخلق عن الخلق ، فلو لم يرد عموم نفي الخلق عن الخلق لم تقم به حجة على من عبد فرعون وأمثاله ممن أمر من المخلوقين أن يعبد من دون الله ، فإن الخلق من خصوص وصف الإله ، فلو وقعت المشاركة في الخلق لما صح أن يتخذها تمدحا ولا دليلا مع الاشتراك في الدلالة ، هذا لا يصح فيعلم قطعا أن الخالق صفة أحدية لله لا تصح لأحد غير الله ، وما جعل الله الخلق دليلا عليه من جملة الأدلة على توحيده إلا لانفراده بالخلق ، فيقول تعالى لمن يدعي الخلق أو ينسب الفعل إلى نفسه (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فلما تمدح بالخلق دل من مضمون الكلام أن لا خالق للأشياء كلها إلا هو ، من أفعال العباد وغيرها ، ولو كانت أفعال العباد خلقا لهم ، لم يكن ذكره للخلق تمدحا خاصا لوقوع الاشتراك ، فتحقق مذهب أهل الحق في أن لا موجد ولا فاعل إلا هو ، فنسبة الأفعال إلى نفس الإنسان ألوهية خفية في نفس كل إنسان ، وهو الشرك الخفي المعفو عنه.
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٨)
اتبع الحق الخلق الذي هو الإيجاد بقوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) فإن أول نعمة عقلتها من ربك إخراجك من العدم إلى الوجود ، وقد عدد هذا المقام عليك من