الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٢٩)
اعلم أنه ما تكبر أحد من خلق الله على أمر الله غير الثقلين ، ولا عصى الله أحد من خلق الله سوى الثقلين ، واعلم أن السبب الموجب لتكبر الثقلين دون سائر الموجودات ، أن سائر الموجودات توجه على إيجادهم من الأسماء الإلهية أسماء الجبروت والكبرياء والعظمة والقهر والعزة ، فخرجوا أذلاء تحت هذا القهر الإلهي ، وتعرف إليهم حين أوجدهم بهذه الأسماء ، فلم يتمكن لمن خلق بهذه المثابة أن يرفع رأسه ولا أن يجد في نفسه طعما للكبرياء على أحد من خلق الله ، فكيف على من خلقه؟ وقد أشهده أنه في قبضته وتحت قهره ، وشهدوا كشفا نواصيهم ونواصي كل دابة بيده ، فمن كان حاله في شهوده نظره إلى ربه كيف يتصور منه عزّ وكبرياء على خالقه مع هذا الكشف؟ وأما الثقلان فخلقهم بأسماء اللطف والحنان والرأفة والرحمة والتنزل الإلهي ، فعندما خرجوا لم يروا عظمة ولا عزا ولا كبرياء ، ورأوا نفوسهم مستندة في وجودها إلى رحمة وعطف وتنزل ، ولم يبد الله لهم من جلاله ولا كبريائه ولا عظمته في خروجهم إلى الدنيا شيئا يشغلهم عن نفوسهم ، فلو أشهدهم أن نواصيهم بيد الله شهادة عين ، أو إيمان كشهادة عين ـ كشهادة الأخذ من الظهور ـ ما عصوا الله طرفة عين ، وكانوا مثل سائر المخلوقات يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، فلما ظهروا عن هذه الأسماء الرحمانية ، قالوا : يا ربنا لم خلقتنا؟ قال : (لتعبدون) أي لتكونوا أذلاء بين يدي ، فلم يروا صفة قهر ولا جناب عزة تذلهم ، بل نظروا إلى الأسماء التي وجدوا عنها ، فما رأوا اسما إلهيا منها يقتضي أخذهم وعقوبتهم إن عصوا أمره ونهيه وتكبروا على أمره ، فلم يطيعوه وعصوه.