أن تنالك ، فأمرك أن تحرم ، فدخلت في الإحرام ، فصرت حراما ، وما جعل ذلك لك عن أمره سبحانه إلا ليكون ذلك قربة إليه ، ومزيد مكانة عنده تعالى ، وحتى لا تنسى عبوديتك التي خلقت عليها بكونه تعالى جعلك مأمورا في هذه المنعة ، دواء لك نافعا ، يمنع من علة تطرأ عليك لعظيم مكانتك ، فلا بد أن يؤثر فيك خلقك على صورته عزة في نفسك ، فشرعها لك في طاعته بأمر أمرك فيه أن تكون حراما ، لا احتجارا عليك بل احتجارا لك ، فالإنسان عبد عينا ورتبة ، كما هو سيد عينا لا رتبة ، ولهذا إذا ادّعى الرتبة قصم وحرم ، وإذا ادّعى العين عصم ورحم ، والإنسان واحد في الحقيقة ، غير أنه ما بين معتنى به وغير معتنى به.
(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٩٧)
جعل الله تعالى لبيته أربعة أركان لسر إلهي وهي في الحقيقة ثلاثة أركان ، لأنه شكل مكعب ، الركن الواحد الذي يلي الحجر مكعب الشكل ولأجل ذلك سمي كعبة تشبيها بالكعب ، خرج مسلم عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه ، فأخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فركب راحلته فخطب فقال : «إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، ألا وإنها لا تحل لأحد قبلي ، ولن تحلّ لأحد بعدي ، ألا وإنها أحلّت لي ساعة من نهار ، ألا وإنها ساعتي هذه ، وهي حرام لا يخبط شوكها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يلقط ساقطتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إما أن يعطى ـ يعني الدية ـ وإما أن يقاد أهل القتيل ـ الحديث ـ ، فهذا هو حمى الله وحرمه ، ولا موجود أعظم من الله ، فلا حمى ولا حرم أعظم من حرم الله ولا حماه في الأماكن ، فإن مكة حرّمها الله ولم يحرمها الناس.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩٨)