والشيء هو الممكنات ، وأجناسها محصورة في جوهر متحيز وجوهر غير متحيز ، وأكوان وألوان ، وما لا ينحصر هو وجود الأنواع والأشخاص (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فجعل سبحانه نسبة التكوين إلى نفس المأمور به ، والقدرة لا تتعلق بإيجاد الممكن إلا بعد تخصيص الإرادة ، كما لا تتمكن القدرة من الممكن حتى يأتيه أمر الآمر من ربه ، فإذا أمره بالتكوين وقال له (كُنْ) مكّن القدرة من نفسه ، وتعلقت القدرة بإيجاده ، فكونته من حينه ، فالاسم المريد هو المرجح والمخصص جانب الوجود على جانب العدم ـ مسئلة الوجود العيني والأعيان الثابتة ـ ما ورد في الشرع قط أن الله يشهد الغيوب ، وإنما ورد يعلم الغيوب ، ولهذا وصف نفسه بالرؤية فقال : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) ووصف نفسه بالبصر وبالعلم ، ففرّق بين النسب وميز بعضها عن بعض ليعلم ما بينها ، ولما لم يتصور أن يكون في حق الله غيب ، علمنا أن الغيب أمر إضافي لما غاب عنا ، وما يلزم من شهود الشيء العلم بحده وحقيقته ، ويلزم من العلم بالشيء العلم بحده وحقيقته ، عدما كان أو وجودا ، وإلا فما علمته ، وقد وصف الحق نفسه بأنه (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) والأشياء كلها مشهودة للحق في حال عدمها ، ولو لم تكن كذلك لما خصص بعضها بالإيجاد عن بعض ، إذ العدم المحض الذي ليس فيه أعيان ثابتة لا يقع فيه تمييز شهود ، بخلاف عدم الممكنات ، فكون العلم ميز الأشياء بعضها عن بعض وفصل بعضها عن بعض ، هو المعبر عنه بشهوده إياها وتعيينه لها ، أي هي بعينه يراها ، وإن كانت موصوفة بالعدم فما هي معدومة لله الحق من حيث علمه بها ، كما أن تصور الإنسان المخترع للأشياء صورة ما يريد اختراعها في نفسه ثم يبرزها ، فيظهر عينها لها ، فاتصفت بالوجود العيني ، وكانت في حال عدمها موصوفة بالوجود الذهني في حقنا ، والوجود العلمي في حق الله ، فظهور الأشياء من وجود إلى وجود ، من وجود علمي إلى وجود عيني. واعلم أن الطبيعة للأمر الإلهي محل ظهور أعيان الأجسام ، فيها تكونت وعنها ظهرت ، فأمر بلا طبيعة لا يكون ، وطبيعة بلا أمر لا تكون ، فالكون متوقف على الأمرين ، ولا تقل إن الله قادر على إيجاد شيء من غير أن ينفعل أمر آخر ، فإن الله يرد عليك في ذلك بقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فتلك الشيئية العامة لكل شيء خاص ـ وهو الذي وقع فيها الاشتراك ـ هي التي أثبتناها ، وإن الأمر الإلهي عليها يتوجه لظهور شيء خاص في تلك الشيئية المطلقة ، فإذا ظهرت الأجسام أو الأجساد