توجه الخطاب فبادرت إلى امتثال ما أمرها به ، فلو لا أنها منعوتة في حال عدمها بالنعوت التي لها في حال وجودها ما وصفها الحق بما وصفها به من ذلك ، وهو الصادق المخبر بحقائق الأشياء على ما هي عليه ، فما ظهرت أعيان الموجودات إلا بالحال التي كانت عليه في حال العدم ، فما استفادت إلا الوجود من حيث أعيانها ومن حيث ما به بقاؤها ، فكل ما هي عليه الأعيان القائمة بأنفسها ذاتي لها ، وإن تغيرت عليها الأعراض والأمثال والأضداد ، إلا أن حكمها في حال عدمها ليس حكمها في حال وجودها من حيث أمر ما ، وذلك لأن حكمها في حال عدمها ذاتي لها ليس للحق فيها حكم ، ولو كان لم يكن لها العدم صفة ذاتية ، فلا تزال الممكنات في حال عدمها ناظرة إلى الحق بما هي عليه من الأحوال لا يتبدل عليها حال حتى تتصف بالوجود ، فتتغير عليها الأحوال للعدم الذي يسرع إلى ما به بقاء العين ، وليست كذلك في حال العدم ، فإنه لا يتغير عليها شيء في حال العدم ، بل الأمر الذي هي عليه في نفسها ثابت ، إذ لو زال لم تزل إلا إلى الوجود ، ولا يزول إلى الوجود إلا إذا اتصفت العين القائم به هذا الممكن الخاص بالوجود ، فالأمر بين وجود وعدم في أعيان ثابتة على أحوال خاصة (فَيَكُونُ) يعني حكم ما توجه عليه أمر (كُنْ) كان ما كان ، فيعدم به ويوجد ، فليس متعلقه إلا الأثر ، فترى الكائنات ما ظهرت ولا تكونت من شيئيتها الثابتة إلا بالفهم لا بعدم الفهم ، لأنها فهمت معنى (كُنْ) فتكونت ، ولهذا قال (فَيَكُونُ) يعني ذلك الشيء ، لأنه فهم عند السماع ما أراد بقوله (كُنْ) فبادر لفهمه دون غير التكوين من الحالات ، وكذلك يكون الانتقال من حال إلى حال ، أي من حال يكون عليه السامع إلى حال يعطيه سماعه عند كلام المتكلم ، وسمي ذلك بالحركة من العدم إلى الوجود ، فكان للأعيان في ظهورها شيئية وجودية ، فسميت هذه الحركة بالوجد لحصول الوجود عندها ، أعني وجود الحكم ، سواء كان بعين ، أي في تقلبه أثناء وجوده من حال إلى حال ، أو بلا عين قبل إبرازه من العدم إلى الوجود ، فإنه عين في نفسه هذا الكائن ، أي له عين ثابتة في العلم يتوجه عليها الخطاب ، فتسمع فتمتثل ، فعندنا قوله تعالى : (فَيَكُونُ) ما هو قبول التكوين وإنما قبوله للتكوين ، أن يكون مظهرا للحق ، فهذا معنى قوله (فَيَكُونُ) لا أنه استفاد وجودا ، وإنما استفاد حكم المظهرية حيث أنه قبل السماع من حيث عينه الثابتة الموجودة فالحق عين كل شيء في الظهور وما هو عين الأشياء في ذواتها سبحانه وتعالى ، بل هو هو والأشياء