أشياء ، فلولا الحق ما تميزت الموجودات بعضها عن بعض ولكان الأمر عينا واحدا ، فعين تمييز الحق لها وجودها ، وعين تمييز بعضها عن بعض فلأنفسها ، ولذلك لم تزد كلمة الحضرة في كل كائن عنها على كلمة (كُنْ) شيئا آخر ، بل انسحب على كل كائن عين (كُنْ) لا غير ، فلو وقفنا مع كن لم نر إلا عينا واحدة ، وإنما وقفنا مع أثر هذه الكلمة وهي المكونات ، فكثرت وتعددت وتميزت بأشخاصها ، فلما اجتمعت في عين حدها علمنا أن هذه الحقيقة وجدت كلمة الحق فيها وهي كلمة كن ، وكن أمر وجودي لا يعلم منه إلا الإيجاد والوجود ، ولهذا لا يقال للموجود كن عدما ، ولا يقال له كن معدوما لإستحالة ذلك ، فالعدم نفسي لبعض الموجودات ، ولبعضها تابع لعدم شرطه المصحح لوجوده ، وبهذه الحقيقة كان الله خلاقا دائما وحافظا دائما ، والخلاصة هي أن الله سبحانه يرانا في حال عدمنا في شيئية ثبوتنا كما يرانا في حال وجودنا ، لأنه تعالى ما في حقه غيب ، فكل حال له شهادة ، فيتجلى تعالى للأشياء التي يريد إيجادها في حال عدمها من اسمه النور تعالى ، فينفهق على تلك الأعيان أنوار هذا التجلي فتستعد لقبول الإيجاد ، فيقول له عند هذا الاستعداد «كن» فيكون من حينه من غير تثبط ـ مسائل مستفادة من هذه الآية ـ المسألة الأولى ـ اعلم أن القول والكلام نعتان لله ، فبالقول يسمع المعدوم ، وهو قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وبالكلام يسمع الموجود ، وهو قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) وقد يطلق الكلام على الترجمة في لسان المترجم وينسب الكلام إلى المترجم عنه في ذلك ، فالقول له أثر في المعدوم وهو الوجود ، والكلام له أثر في الموجود وهو العلم ـ المسألة الثانية ـ لم يرد نص عن الله ولا عن رسوله في مخلوق أنه أعطي (كُنْ) سوى الإنسان خاصة ، فظهر ذلك في وقت في النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، فقال : كن أبا ذر ، فكان أبو ذر ، ورد في الخبر في أهل الجنة أن الملك يأتي إليهم فيقول لهم بعد أن يستأذن في الدخول عليهم ، فإذا دخل ناولهم كتابا من عند الله بعد أن يسلم عليهم من الله ، فإذا في الكتاب لكل إنسان يخاطب به ، من الحي القيوم الذي لا يموت إلى الحي القيوم الذي لا يموت ، أما بعد فإني أقول للشيء كن فيكون ، وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون ، فقال صلىاللهعليهوسلم : فلا يقول أحد من أهل الجنة للشيء كن إلا ويكون ـ المسألة الثالثة ـ اعلم أن للأسباب أحكاما في المسببات فهي كالآلة للصانع ، فتضاف