الصنعة والمصنوع للصانع لا للآلة ، وسببه أن لا علم للآلة بما في نفس الصانع أن يصنع بها على التعيين ، بل لها العلم بأنها آلة للصنع الذي تعطيه حقيقتها ، ولا عمل للصانع إلا بها ، فصنع الآلة ذاتي ، وما لجانب الصانع بها إرادي ، وهو قوله تعالى : (إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ) وكن آلة الإيجاد ، فما أوجد إلا بها ، وكون تلك الكلمة ذاته أو أمرا زائدا علم آخر ، إنما المراد هو فهم هذا المعنى وأنه ما حصل الإيجاد بمجرد الإرادة دون القول ودون المريد والقائل ، فظهر حكم الأسباب في المسببات ، فلا يزيل حكمها إلا جاهل بوضعها وما تعطيه أعيانها ـ المسألة الرابعة ـ المعلول لو لا علته ما ظهرت له عين ، والعالم لو لا الله ما وجد في عينه ، والعين عند العرب تذكر وتؤنث وذلك لأجل التناسل الواقع بين الذكر والأنثى ، ولهذه الحقيقة جاء الإيجاد الإلهي بالقول وهو مذكر ، والإرادة وهي مؤنثة ، فأوجد العالم عن قول وإرادة ، فظهر عن اسم مذكر ومؤنث ، فقال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ) وشي أنكر النكرات والقول مذكر (إِذا أَرَدْناهُ) والإرادة مؤنثة (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فظهر التكوين في الإرادة عن القول ، والعين واحدة بلا شك ، والأمر في نفسه صعب تصوره ، من الوجه الذي يطلبه الفكر ، سهل في غاية السهولة من الوجه الذي قرره الشرع ، فالفكر يقول : ما ثمّ شيء ثم ظهر شيء من لا شيء ، والشرع يقول وهو القول الحق :
بل ثمّ شيء فصار كونا |
|
وكان غيبا فصار عينا |
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣)
(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فألحق أهل الذكر بالعلماء ، وأمرنا الله أن نسأل أهل الذكر وهم أهل القرآن ، لأنهم ما يخبرون إلا عنه ، لأنهم جلساء الحق ، فما يخبر الذاكر الذي يشهد الله فيه أنه ذاكر له إلا عن جليسه ، فيخبر بالأمر على ما هو عليه ، وذلك