(ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) (٩٩)
الداعي إلى الله ما يجب عليه إلا البلاغ ، وما يلزمه خلق القبول والهداية في نفس السامع. فدرجة الرسالة إنما هي التبليغ خاصة ، فليس للرسول التحكم في المخالف ، إنما له تشريع الحكم عن الله أو بما أراه الله ، فإذا أعطاه الله التحكم فيمن أرسل إليهم فذلك هو الاستخلاف والخلافة ، والرسول الخليفة. فما كل من أرسل حكم ، فإذا أعطي السيف وأمضى الفعل حينئذ يكون له الكمال ، وإن ظهر إنسان بالتحكم من غير نبوة ، فهو ملك وليس بخليفة ، فلا يكون خليفة إلا من استخلفه الحق على عباده ، لا من أقامه الناس وبايعوه وقدموه لأنفسهم وعلى أنفسهم.
(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (١٠١)
قال الصحابة نهينا أن نسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم كانوا يسألونه عن الأشياء حتى نهوا عن ذلك رحمة بهم وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : اتركوني ما تركتكم ، وقال لو قلت : نعم ـ للسائل عن الحج في كل عام ـ لوجبت. وكانت الأحكام تحدث بحدوث السؤال عن النوازل ، فكان غرض النبي صلىاللهعليهوسلم حين علم ذلك أن يمتنع الناس عن السؤال ، ويجرون مع طبعهم حتى يكون الحق هو الذي يتولى من تنزيل الأحكام ما شاء ، فكانت الواجبات والمحظورات تقل ، وتبقى الكثرة من قبيل المباحات التي لا يتعلق بها أجر ولا وزر ، وما كان ربك نسيا.
(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢) ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ