اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٦٨)
لما خلق الله تعالى كل شيء حيا ناطقا ، جمادا كان أو نباتا أو حيوانا ، في العالم الأعلى والأسفل ، مصداق ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) جاز بل وقع وصح أن يخاطب الحق جميع الموجودات ويوحي إليها فقال : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) الستة أكمل الأعداد ، وليس في الأشكال شكل فيه زوايا إذا انضمت إليها الأمثال لم يكن بينها خلو إلا الستة ، وبها أوحى الله إلى النحل في قوله في هذه الآية (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) فأوحى إليها بصفة عملها ، فعملت بيوتها مسدسة الشكل ، وهو أكمل الأشكال لأنه لا يدخله خلاء ويقارب الاستدارة مع ظهور الزوايا ، فهو لا يقبل الخلل مع الكثرة فيظهر الخلو ، والمستدير ليس كذلك ، وإن أشبه غيره في عدم قبول الخلل كالمربع ، فإنه يبعد عن المستدير ، ووصف الشكل المستدير بالكمال لأنه يظهر عن نصفه وثلثه وسدسه فيقوم من عين أجزائه ، فلو لا ما فهمت النحل من الله وحيه لما صدر منها ما صدر ، وهذا من النبوة سارية في الحيوان والنبات والجماد قال تعالى : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) فالنبوة سارية في كل موجود ، لكنه لا ينطلق من ذلك اسم نبي ولا رسول على واحد منهم إلا على الملائكة خاصة والرسل منهم وهم المسمون الملائكة ، وقد يكون ذلك علما ضروريا في أصل الخلقة ، فيريد الله بذلك أنه فطرها في أصل نشأتها على ذلك.
(ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٦٩)
(فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) وهو ما شرع الله لها من السبل أن تسلكها (ذُلُلاً) فتدل هذه الآية على أن لكل شيء من المخلوقات كلاما يخصه يعلمه الله ، ويسمعه من فتح الله سمعه لإدراكه (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) فعمّر النحل بيته بالعسل ، وما ذكر الله مضرة العسل وأن بعض الأمزجة يضره استعماله ، ولكن ما تعرض لذلك ،