أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧٤)
ـ الوجه الأول ـ نهينا أن نضرب الأمثال لله لجهلنا بالنسب التي هي بها أمثال ، فقال تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) فإن الله هو الذي يضرب الأمثال للناس لعلمه بمواقعها ، لأن الله يعلم ونحن لا نعلم ، فهو عزوجل يضرب لنا الأمثال بما له وجود في عينه ، ونحن لسنا كذلك إلا بحكم المصادفة ، فنضرب المثل إذا ضربناه بما له وجود في عينه وبما لا وجود له إلا في تصورنا ، فالله يضرب الأمثال لنفسه ولا تضرب له الأمثال ، فيشبه الأشياء ولا تشبهه الأشياء ، فيقال : مثل الله في خلقه مثل الملك في ملكه ، ولا يقال مثل الملك في ملكه مثل الله في خلقه ، فإنه عين ما ظهر ، وليس ما ظهر هو عينه ، فإنه الباطن كما هو الظاهر في حال ظهوره ، فلهذا قلنا : هو مثل الأشياء وليست الأشياء مثله ، إذ كان عينها وليست عينه ، فإن الممكن ما استفاد الوجود وإنما استفاد حكم المظهرية ، وهو قوله تعالى للشيء : كن فيكون ، فقبوله للتكوين هو أن يكون مظهرا للحق ، فالحق عين كل شيء في الظهور ما هو عين الأشياء في ذواتها ، سبحانه وتعالى ، بل هو هو والأشياء أشياء ، ففي نفس الأمر ليس إلا وجود الحق ، والموصوف باستفادة الوجود هو على أصله ما انتقل من إمكانه ، فحكمه باق وعينه ثابتة ، واعلم أن ما يشرك به الشيء من ليس مثله فهو مثله من ذلك الوجه الذي أشركه فيه خاصة ، وينفصل عنه بأمور أخر له فيها أمثال ، فما ثمّ معلوم ما له مثل جملة واحدة ، فما ثمّ إلا أمثال وأشباه ، ولذلك ضرب الله الأمثال ونهى عن ضربنا الأمثال له ، وعلل فقال : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فمن علّمه الحق ضرب الأمثال ضربها على علم ، فلا يضرب الأمثال إلا العلماء بالله الذين تولى الله تعليمهم ، وليس إلا الأنبياء والأولياء ، وهو مقام وراء طور العقل ، يريد أنه لا يستقل العقل بإدراكه من حيث ما هو مفكر ، فإن الذي عند العقل من العلم بالله من حيث فكره علم التنزيه ، وضرب الأمثال تشبيه ، وموضع التشبيه من ضرب المثل دقيق لا يعرفه إلا من عرف المشبه والمشبّه