به ، والمشبه به غير معروف ، فالأمر الذي يتحقق منه ضرب المثل له مجهول ، فالنظر فيه من حيث الفكر حرام على كل مؤمن ، وهو في نفس الأمر ممنوع الوصول إليه عند كل ذي عقل سليم ، ولذلك قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فضرب الله تعالى لنفسه الأمثال لأنه يعلم ونحن لا نعلم ، فإن الله يعلم كيف يضربها وأنتم لا تعلمون ، فناط بهم الجهل بالمواطن ، فيشهد الولي ما ضرب الله من الأمثال فيرى في ذلك الشهود عين الجامع الذي بين المثل وبين ما ضرب له ذلك المثل ، فهو عينه من حيث ذلك الجامع ، وما هو عينه من حيث ما هو مثل ، فالولي لا يضرب لله الأمثال بل هو يعرف ما ضرب الله له الأمثال ـ الوجه الثاني ـ (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال الله تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) أي صفة نوره ، يعني المضاف إلى السموات والأرض ، (كَمِشْكاةٍ) إلى أن ذكر المصباح ومادته ، فقال (اللهُ) وما ضرب المثل للاسم الله ، وإنما عيّن سبحانه اسما آخر وهو (نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فضرب المثل بالمصباح لذلك الاسم النور المضاف ، فإن الله اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية ، محيط بمعانيها كلها ، وضرب الأمثال يخص اسما واحدا معينا ، فإن ضربنا الأمثال لله وهو اسم جامع شامل فما طبقنا المثال على الممثل ، فإن المثال خاص والممثل به مطلق ، فوقع الجهل بلا شك ، فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسما خاصا ينطبق المثل عليه ، فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص ، كما فعل الله في قوله تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهمنا الله وإياكم مواقع خطابه ، وجعلنا ممن تأدب بما عرفناه من آدابه ، إنه اللطيف بأحبابه ، فإنه قال (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) فإني ما ضربتها ، فافهموا (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فعلمنا سبحانه الأدب في النظر في أسمائه إذا أطلقناها عليه بالإضافة كيف نفعل ، وإذا أطلقناها عليه بغير الإضافة كيف نفعل ، فالعالم يقطع عمره في نظر ما ضرب الله له من الأمثال ولا يستنبط مثلا من نفسه ، ولا سيما لله ، وما أظن يفي عمر الإنسان بتحصيل ما ضرب الله له من الأمثال التي هي من عالم الخيال الذي انفرد الحق بعلمه في قوله (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ