البقاء والوجود ، وهو معنى قوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) فوصف بالنفاد ما نسبه إلينا ، وما لفظة تدل على كل شيء ، كذا قاله سيبويه ، فكل ما نسب إلى المخلوق فإنه ينفد بالموت أو الشهادة ، وكل ما ينفد فقد فارق من كان عنده ، وهذا لا يوجد في الحق ، فإنه لا يفارقه شيء ، لأنه معنا وإليه تصير الأمور (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) فلا تعتمد عليه (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) فتعتمد على الله في بقائه ، والخطاب هنا لعين الجوهر ، والذي عند الجوهر من كل موجود إنما هو ما يوجده الله في محله من الصفات والأعراض والأكوان ، وهي في الزمان الثاني أو في الحال الثاني ـ كيف شئت قل ـ من زمان وجودها أو حال وجودها ، تنعدم من عندنا ، والله يجدد للجوهر الأمثال أو الأضداد دائما من خزائنه ، وهذا معنى قول المتكلمين إن العرض لا يبقى زمانين ، وهو قول صحيح ، خبر لا شهبة فيه ، لأنه الأمر المحقق الذي عليه نعت الممكنات ، ويتجدد ذلك على الجوهر ويبقى عينه دائما ما شاء الله ، وقد شاء أنه لا يفنى فلا بد من بقائه (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) فعند الله التوجه وهو قوله تعالى : (إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فلا يكون عنه إلا الوجود وما يكون عنه عدم ، واعلم أن تحقيق عندية كل شيء راجعة إلى نفسه ، ولهذا قال تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) فإن حكمكم النفاد (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) فإن له البقاء ، فلو كانت عندية الشيء غير نفس الشيء ما نفد ما عندنا ، لأنا وما عندنا عند الله ، وما عند الله باق ، فنحن وما عندنا باق ، فتبين لك أن عندية كل شيء نفسه ـ الوجه الثاني ـ الكل عند الله فله البقاء في العدم كان أو الوجود ، وما نفد ما عندك إلا بأخذه منك ، وأنت عنده فما عندك عنده ، وما خرج شيء من عنده ، فالكل عنده ـ الوجه الثالث ـ «ما عندك ينفد» من العلم بالله ، فما عندنا منه في موطن ينفد في موطن آخر ، فإن الحكم للمواطن ، فإنها تحكم بنفسها في كل من ظهر فيها (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) من علمه بنفسه لا يتغير ولا يتبدل ولا يتنوع في نفسه بتنوع المواطن.
فنحن وما عندنا عنده |
|
وليس الذي عنده عندنا |
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٧)