العمل الصالح له الحياة الطيبة ، وهي تعجيل البشرى في الحياة الدنيا ، كما قال تعالى (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فيحيى في باقي عمره حياة طيبة لما حصل له من العلم بما سبق له من سعادته في علم الله مما يؤول إليه في أبده ، فتهوّن عليه هذه البشرى ما يلقاه من المشقات والعوارض المؤلمة ، فإن وعد الله حق وكلامه صدق ، وقد خوطب بالقول الذي لا يبدل لديه ، ولا تكون الحياة طيبة إلا أن تكون مستصحبة ، وما ينالها إلا الصالحون من عباد الله ، وإن ظهر منهم ما توجبه الأمور المؤلمة في العادة وظهر عليهم آثار الآلام ، فالنفوس منهم في الحياة الطيبة ، لأن النفوس محلها العقل ليس الحس محلها ، فآلامهم حسية لا نفسية ، فالذي يراهم يحملهم في ذلك على حاله الذي يجده في نفسه لو قام به ذلك البلاء ، وهو في نفسه غير ذلك ، فالصورة صورة بلاء ، والمعنى معنى عافية وإنعام ، وكذلك للعمل الصالح التبديل ، فيبدل الله سيئاته حسنات ، حتى يود لو أنه أتى جميع الكبائر الواقعة في العالم ، وكذلك للعمل الصالح شكر الحق لأنه الغفور الشكور ، فسعيه مقبول وكلامه مسموع ، ولو لم يكن في العمل الصالح إلا إلحاق عامله بالصالحين وإطلاقه هذا الإسم عليه لكان كافيا ، فإنه مطلب الأنبياء عليهمالسلام وهم أرفع طوائف عباد الله.
(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٩٨)
إذا قرأت القرآن فاجتمع عليه فإنه قرآن ، وإذا قرأته من كونه فرقانا فكن بحسب الآية التي أنت فيها في جميع قراءتك (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) فإن القرآن جمع ، والجمعية تدعوه للحضور فهي معينة له ، بخلاف الفرقان ، فالقرآن يحضره والفرقان يطرده ، يقال يوم القيامة لصاحب القرآن : اقرأ وارق ، فإن منزلك عند آخر آية تقرأ. فدرجات الجنة على هذا على عدد آي القرآن ، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند افتتاح قراءة القرآن في الصلاة وفي غيرها فرض للأمر الإلهي الوارد في هذه الآية ، فأمر الله القارىء للقرآن أن يتعوذ ، وعلمه المكلّف وهو الله تعالى عند قراءة القرآن كيف يستعيذ وبمن يستعيذ وممن يستعيذ ، فقال له (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) فأعطاه الاسم الجامع ، وذكر له القرآن ، وما خص آية من آية ، لذلك لم يخص اسما من اسم ، بل أتى بالاسم الله ، فالقارىء ينظر في حقيقة ما يقرأ ، وينظر فيما ينبغي أن يستعاذ