صلىاللهعليهوسلم مجهول في العموم معلوم في الخصوص ، لأن خرق عادته إنما هو حال وعلم في قلبه ، فهو في كل نفس يزداد علما بربه ، علم حال وذوق ، لا يزال كذلك ، ولو لا ما طلب الرسول صلىاللهعليهوسلم بالمعراج ما رحل ، ولا صعد إلى السماء ولا نزل ، وكان يأتيه شأن الملأ الأعلى وآيات ربه في موضعه ، كما زويت له الأرض وهو في مضجعه ، ولكنه سر إلهي لينكره من شاء ـ لأنه لا يعطيه الإنشاء ـ ويؤمن به من شاء ، فقال تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) فسبّح الحق نفسه ، وقرن سبحانه التسبيح بهذا السفر الذي هو الإسراء فقال (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) وهو خبر ، ينفي بذلك عن قلب صاحب الوهم ومن تحكم عليه خياله من أهل الشبه والتجسيم ، ما يتخيله في حق الحق من الجهة والحد والمكان ، فلهذا قال (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) فجعله مسافرا به صلىاللهعليهوسلم ، يعلم أن الأمر من عنده عزوجل هبة إلهية وعناية سبقت له مما لم يخطر بسره ولا اختلج في ضميره ، وقوله (بِعَبْدِهِ) يعني عبدا لم يكن فيه شيء من الربوبية التي يدعيها الخلق ، فوصفه بأشرف الحالات وهي العبودية المحضة ، فجعله عبدا محضا ، وجرده عن كل شيء حتى عن الإسراء ، فجعله يسرى به وما أضاف السرى إليه ، فإنه لو قال : سبحان الذي دعا عبده لأن يسري إليه أو إلى رؤية آياته فسرى ؛ لكان له أن يقول ، ولكن المقام منع من ذلك ، فجعله مجبورا لا حظ له من الربوبية في فعل من الأفعال ، فإن العبودية في غاية البعد من صفات الربوبية ، فاختار سبحانه لنبيه الشرف الكامل بأعلى ما يكون من صفات الخلق ، وليس إلا العبودية ، فإن الله إذا أكرم عبدا سافر به في عبوديته ، فما سماه إلا بأشرف أسمائه عنده ، لأنه ما تحسّن عبد بحسن أحسن ولا زينة أزين من حسن عبوديته ، ولأن الربوبية لا تخلع زينتها إلا على المتحققين بمقام العبودية (لَيْلاً) وجعل الإسراء ليلا ، تمكينا لاختصاصه بمقام المحبة ، لأنه اتخذه خليلا حبيبا ، وأكده بقوله (لَيْلاً) مع أن الإسراء لا يكون في اللسان إلا ليلا لا نهارا ، لرفع الإشكال حتى لا يتخيّل أنه أسرى بروحه ، ويزيل بذلك من خاطر من يعتقد من الناس أن الإسراء ربما يكون نهارا ، فإن القرآن وإن كان نزل بلسان العرب ، فإنه خاطب به الناس أجمعين ، أصحاب اللسان وغيرهم ، والليل أحب زمان المحبين لجمعهما فيه ، والخلوة بالحبيب متحققة بالليل ، ولتكون رؤية الآيات بالأنوار الإلهية خارجة عن العادة عند العرب بما لم تكن تعرفها ، فإن البصر لا يدرك شيئا من المرئيات بنوره خاصة إلا الظلمة ، والنور الذي به يكشف الأشياء إذا