كان حيث لا تغلب قوة نور البصر ، فإذا غلب حكمه مع نور البصر حكم الظلمة لا يراه سواه ، إذ كان البصر لا يدرك في الظلمة الشديدة سوى الظلمة ، فالبصر يرى بالنور المعتدل النور وما يظهر له النور من الأشياء المدركة ، ولا فائدة عند السامع لو كان العروج به نهارا من رؤية الآيات فإنه معلوم له ، فلهذا كان ليلا ، وأتى أيضا بقوله (لَيْلاً) ليحقق أن الإسراء كان بجسده الشريف صلىاللهعليهوسلم فإن قوله (أَسْرى) يغني عن ذكر الليل ، قليلا في موضع الحال من عبده ، فالإسراء لا يكون إلا بالليل ، وكذا معارج الأنبياء لم تكن قط إلا بالليل ، لأنه محل الأسرار والكتم وعدم الكشف (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) سمي المسجد الأقصى لأنه أقصي من الأولية ، لأن البيت الذي هو الكعبة قد حاز الأولية ، وبين الأقصى وبينه أربعون سنة ، ولم يكن ظهوره للعبادة بعد المسجد الحرام ، إلا بعد أربعين سنة (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) اعلم أنه ما نقل الله عبدا من مكان إلى مكان ليراه ، بل ليريه من آياته التي غابت عنه ، فإن الله تعالى قال : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) فهو تعالى معنا أينما كنا ، في حال نزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل في حال كونه استوى على العرش ، في حال كونه في العماء ، في حال كونه في الأرض وفي السماء ، وفي حال كونه أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد منه ، وهذه نعوت لا يمكن أن يوصف بها إلا هو ، فنقله عبده من مكان إلى مكان ليريه ما خص الله به ذلك المكان من الآيات الدالة عليه تعالى ، من حيث وصف خاص لا يعلم من الله تعالى إلا بتلك الآية ، فكأنما سبحانه وتعالى يقول ما أسريت به إلا لرؤية الآيات لا إليّ ، فإنه لا يحويني مكان ، ونسبة الأمكنة إليّ نسبة واحدة ، فأنا الذي وسعني قلب عبدي المؤمن ، فكيف أسري به إليّ وأنا عنده ومعه أينما كان؟ (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يقول له صلىاللهعليهوسلم : أخبر العباد بما رأيته ، تشوقهم إليّ وترغبهم فيّ ، وتكون رحمة لهم. فلما أراد الله تعالى أن يري النبي محمدا صلىاللهعليهوسلم من آياته ما شاء ، أنزل إليه جبريل عليهالسلام وهو الروح الأمين بدابة يقال لها البراق ، إثباتا للأسباب وتقوية له ، ليريه العلم بالأسباب ذوقا ، ليعلمنا بثبوت الأسباب التي وضعها في العالم ، والبراق دابة برزخية فإنه دون البغل الذي تولد من جنسين مختلفين وفوق الحمار الذي تولد من جنس واحد ، وهو مركب المعارج فإنه يجمع بين ذوات الأربع وذوات الجناح فهو علوي سفلي ، فركبه صلىاللهعليهوسلم وأخذه جبريل عليهالسلام ، والبراق للرسل مثل فرس النوبة الذي يخرجه المرسل