إلى المرسل إليه بالرسول ليركبه تهمما به في الظاهر ، وفي الباطن أن لا يصل إليه إلا على ما يكون منه (١) لا على ما يكون من غيره ليتنبه بذلك ، فهو تشريف وتنبيه لمن لا يدري مواقع الأمور ، فهو تعريف في نفس الأمر ، فجاء صلىاللهعليهوسلم إلى البيت المقدس ونزل عن البراق وربطه بالحلقة التي تربطه بها الأنبياء ، كل ذلك إثبات للأسباب ، فإنه ما من رسول إلا وقد أسري به راكبا على ذلك البراق ، وإنما ربطه مع علمه بأنه مأمور ولو أوقفه دون ربط بحلقة لوقف ، ولكن حكم العادة منعه من ذلك إبقاء لحكم العادة التي أجراها الله في مسمى الدابة ، وقد قلب البراق في الطريق بحافره القدح الذي كان يتوضأ به صاحبه في القافلة الآتية إلى مكة ، فلما صلى جاءه جبريل عليهالسلام بالبراق فركب عليه ومعه جبريل ، فطار البراق به في الهواء فاخترق به الجو ، فعطش واحتاج إلى الشرب ، فأتاه جبريل عليهالسلام بإنائين : إناء لبن وإناء خمر ـ وذلك قبل تحريم الخمر ـ فعرضهما عليه ، فتناول اللبن ، فقال جبريل عليهالسلام : أصبت الفطرة أصاب الله بك أمتك ، فلما وصل إلى السماء الدنيا استفتح جبريل فقال له الحاجب : من هذا؟ فقال : جبريل ، قال : ومن معك؟ قال : محمد صلىاللهعليهوسلم ، قال وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [فدخلنا فإذا بآدم صلىاللهعليهوسلم وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء أهل الجنة ، وعن يساره نسم بنيه الأشقياء عمرة النار] ورأى صلىاللهعليهوسلم نفسه في أشخاص السعداء الذين عن يمين آدم فشكر الله تعالى ، وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين وهو عينه لا غيره ، فقال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ، ثم عرج به البراق وهو محمول عليه في الفضاء الذي بين السماء الأولى والسماء الثانية أو سمك السموات ، فاستفتح جبريل السماء الثانية كما فعل في الأولى ، وقال وقيل له ، فلما دخل إذا بعيسى عليهالسلام بجسده عينه ، فإنه لم يمت إلى الآن بل رفعه الله إلى هذه السماء وأسكنه بها ، فرحب به وسهل ، ثم جاء السماء الثالثة فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ، وإذا بيوسف عليهالسلام فسلم عليه ورحب وسهل ، وجبريل في هذا كله يسمي له من يراه من هؤلاء الأشخاص ، ثم عرج به إلى السماء الرابعة ، فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ، فإذا بإدريس عليهالسلام بجسمه فإنه ما مات إلى الآن بل رفعه الله مكانا عليا ، وهو هذه السماء قلب السموات وقطبها ، فسلم عليه ورحب وسهل ، ثم عرج به إلى السماء
__________________
(١) الوجه الأول : أن براقه عمله ، والوجه الثاني : على ما يكون منه أي أن هذا الانتقال من فضل الله ونعمته لا من غيره.