إلى علمه ، لذا قرن به (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لما خوطب به ولما يخبر به الحق من التعريفات (الْبَصِيرُ) لما شاهده من الآيات وتقلبات الأحوال في العالم كله آيات من أحكام الأسماء الإلهية ، فلو كان الإسراء بروحه وتكون رؤيا رآها كما يراه النائم في نومه ما أنكره أحد ولا نازعه ، وإنما أنكروا عليه كونه أعلمهم أن الإسراء كان بجسمه في هذه المواطن كلها ، وله صلىاللهعليهوسلم أربعة وثلاثون مرة ، الذي أسري به منها الإسراء واحد بجسمه ، والباقي بروحه رؤيا رآها ، وبهذا زاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الجماعة بإسراء الجسم واختراق السموات والأفلاك حسا ، وقطع مسافات حقيقية محسوسة. واعلم أنه لما ذكر الله سبحانه في كتابه العزيز أنه تعالى استوى على العرش ، على طريق التمدح والثناء على نفسه ، إذ كان العرش أعظم الأجسام ، فجعل لنبيه صلّى الله عليه وسلم من هذا الاستواء نسبة على طريق التمدح والثناء عليه به ، حيث كان أعلى مقام ينتهي إليه من أسري به من الرسل ، وذلك يدل أنه أسري به صلىاللهعليهوسلم بجسمه ، ولو كان الإسراء به رؤيا لما كان الإسراء ولا الوصول إلى هذا المقام تمدحا ، ولا وقع من الأعراب في حقه إنكار على ذلك ، لأن الرؤيا يصل الإنسان فيها إلى مرتبة رؤية الله تعالى ، وهي أشرف الحالات ، وفي الرؤيا ما لها ذلك الموقع من النفوس ، إذ كل إنسان بل الحيوان له قوة الرؤيا ، فقال صلىاللهعليهوسلم عن نفسه على طريق التمدح لكونه جاء بحرف الغاية وهو (حتى) فذكر أنه أسري به حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام ، وهو قوله تعالى : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فالضمير في (إِنَّهُ هُوَ) يعود على محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإنه أسري به فرأى الآيات وسمع صريف الأقلام ، فكان يرى الآيات ويسمع منها ما حظّه السماع وهو الصوت ، فإنه عبّر عنه بالصريف ، والصريف الصوت ، فدل أنه بقي له من الملكوت قوة ما لم يصل إليه بجسمه من حيث هو راء ولكن من حيث هو سميع ، فوصل إلى سماع أصوات الأقلام وهي تجري بما يحدث الله في العالم من الأحكام. واعلم أن قصة الإسراء وإن كانت مشتملة على الترقي بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، فليست منافية إلى عموم إحاطة ربنا سبحانه بجميع الجهات وعدم اختصاصه ، ولا مستلزمة لإثبات الجهة ، ويدل عليه أمور : منها افتتاح السورة «بسبحان الذي» المقتضي للتنزيه تنبيها على تعاليه عن التحيز بالجهات وعلى عدم اختصاصه بجهة. الثاني : قوله (أَسْرى بِعَبْدِهِ) فأتى بهاء الإضافة المفيدة للمصاحبة في تعدية الفعل ، تنبيها على مصاحبته له في حالة إسرائه ، وأنه ليس نائيا ولا بعيدا عنه ، فيحتاج في