قربه إلى قطع مسافة مكانية ، وتحقيقا لقوله صلىاللهعليهوسلم (اللهم أنت الصاحب في السفر). الثالث : قوله (بِعَبْدِهِ) تنبيها على أنه على حسب التحقق لخضوع العبودية يكون الترقي إلى حضرة الربوبية. الرابع : قوله (لَيْلاً) وإن كان لفظ الإسراء مفيدا لذلك تنبيها على أن كل ما تضمنه الإسراء كان خارجا عن العادة في مثله ، فإنه جعل العلة فيه أن يريه من آياته ، والإرادة العادية سلطانها النهار ، فقال (لَيْلاً) ليعلم أن الرؤية المقصودة ليست عادية ، بل هي رؤية ربه بنور رباني سلطانه الليل دون النهار. الخامس : قوله (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) نبه على أن الإسراء لو كان لضرورة رؤية ربه لكونه مخصوصا بجهة العلو لم تكن حاجة بالذهاب إلى المسجد الأقصى ، ولأمكن الترقي من مكة إلى السماء ، فدل على أن الإسراء والترقي من مكان لمكان لحكمة وراء ما زعم مثبت الجهة ، والسر فيه وفي كونه ذكره تعالى في كتابه على أن العبد لا يصل إلى الله تعالى إلا فردا تحقيقا ، لقوله (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) ولا تتحقق له الفردية إلّا بعد مفارقة الحوادث وتجرده عنها ، فهناك يصل إلى حضرة عنديته ، وقد جاء الكتاب العزيز بالتنبيه على أن حضرة عنديته وراء دوائر السموات والأرض ، فقال تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) فعطف من عنده على من في السموات والأرض ، وهي مع ذلك محيطة بالسموات والأرض كإحاطة ربنا بذلك كله ، مباينة لها كمباينته ، فمن أرادها فعليه بتفرقة الحوادث ومباينته لها ، فعلم أن الفرقة فرقة قلبية غيبية ، وفرقة حسية ، فإن فارقها بقلبه وصل إلى الله تعالى بقلبه ، وإن فارقها بحسه تبعا لقلبه وصل إلى الله تعالى بحسه وقلبه ، ولذلك كان الإسراء مرتين مرة بالروح ومرة بالجسد ، تنبيها على أنه صلىاللهعليهوسلم شرع لأمته فراق الحوادث مرتين ، مرة بالروح وهو الإسراء الأول ، ومرة بالجسد حسا وهو الإسراء الثاني ، ومن المعلوم أنه لا تحقق لفرقة الحوادث حسا إلا بمجاوزة دوائر الأفلاك كلها كما ثبت ليلة الإسراء ، وأما ترتيب نقلته صلىاللهعليهوسلم وترقيه في توجهه ففيه أسرار بديعة ، أظهرها وأجلاها أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء ، والصلاة حضرة القرب والمناجاة والمراقبة المثمرة لنعيم الرؤية ، ومن المعلوم أن التوجه توجهان : روحاني وحسي ، فقبلة التوجه الروحاني وجه الله تعالى ولا اختصاص له بمكان ، وأما التوجه الحسي فله قبلتان بيت المقدس والكعبة ، فبيت المقدس هو قبلة الأنبياء ، والكعبة هي قبلة إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، فجاء الإسراء الروحاني أولا