تأسيسا للشريعة في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) وجاء الإسراء الحسي مبدوءا بالتوجه لبيت المقدس ثم إلى السماء ثم بالرجوع إلى الكعبة ، تأسيسا للشريعة في التوجه الحسي في الصلاة أولا لبيت المقدس ثم للسماء في قوله تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) ثم بالرجوع إلى قبلة مكة في قوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) كذلك قوله تعالى (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) إياك أن تفهم أن ذلك يشعر بتحديد في القرب أو تخصيص في جهة ، وإنما هو دنو تجل وكشف ، لأنه ذكره في قصة الإسراء بالروح ، ألا ترى قوله تعالى بعد (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ثم ذكر بعده الإسراء الحسي فقال تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) إلى قوله (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) فإذا علمت أنه دنو تجل روحاني وكشف عرفاني ، فهمت سر قوله تعالى (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) ثم دنا عن الأفق الأعلى في نعيم الرؤية وفي بيان الحق (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أي قدر قوسين ، والقوس في اللغة يستعمل في الذراع وما يقدر ويقاس به ، وهو المراد هنا وهو من قوله تعالى في الصحيح [أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني] الحديث وفيه [فإن تقرب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا ، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت منه باعا] وليس فيهما ذراع حسي محدود ، وإنما المراد تمثيل التقريب لدنو الذاكر من المذكور في مجالس النجوى والذكرى وتجلي سر المعية للقلب ، وأدنى الرتب في ذلك تحقق القلب بسر سبحان الله وسر الحمد لله ، وكذلك كان صلىاللهعليهوسلم ليلة الإسراء ، وإذا أردت التحقيق فخذه من افتتاح سورة الإسراء بسبحان واختتامها بقوله (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) ثم نبه على انتفاء التقدير في دنوه بقوله تعالى (أَوْ أَدْنى) وهو التحقيق بالتوحيد في نعيم الرؤية بالآية الكبرى وهي (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ولذلك وصفه بقوله آخر سورة الإسراء (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) إلى قوله (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) تحقيقا لقوله [وما بينهم وبين النظر إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن] وإذا أردت أن تفهم سر التدلي في قوله تعالى (فَتَدَلَّى) فتأمل ما رواه أبو عيسى الترمذي من حديث العنان ، وفيه ذكر الأرضين السبع وأن بين كل أرض وأرض كما بين السماء والأرض ، ثم قال صلىاللهعليهوسلم [والذي نفسي بيده لو دلى أحدكم حبلا لوقع على الله] فنبه صلىاللهعليهوسلم على عدم تحيزه في السماء وأنه ليس مختصا بجهة ، كما نبه على ذلك قوله تعالى (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) فإن الإسراء كان للعلو ، فربما يوهم المحجوب أن الدنو في قوله (دَنا) زيادة