قيل له : يا يتيم أبي طالب ، قم فإن لك طالب ، قد ادخر لك مطالب ، فأرسل إليه أخص خدام الملك ، فلما ورد عليه قادما ، وافاه على فراشه نائما ، فقال له : يا جبريل إلى أين؟ فقال : يا محمد ارتفع الأين من البين (١) ، فإني لا أعرف في هذه النوبة أين ، لكني رسول القدم ، أرسلت إليك من جملة الخدم ، وما نتنزل إلا بأمر ربك ، قال : يا جبريل فما الذي مراد مني؟ قال : أنت مراد الإرادة ، مقصود المشيئة ، فالكل مراد لأجلك ، وأنت مراد لأجله ، وأنت مختار الكون ، أنت صفوة كأس الحب ، أنت درة هذه الصدفة ، أنت ثمرة هذه الشجرة ، أنت شمس المعارف ، أنت بدر اللطائف ، ما مهّدت الدار إلا لرفعة محلك ، ما هيء هذا الجمال إلا لوصلك ، ما روّق كأس المحبة إلا لشربك ، فقم فإن الموائد لكرامتك ممدودة ، والملأ الأعلى يتباشرون بقدومك عليهم ، والكروبيون (٢) يتهللون بورودك إليهم ، وقد نالهم شرف روحانيتك ، فلا بد لهم من نصيب جسمانيتك ، فشرّف عالم الملكوت كما شرفت عالم الملك ، وشرّف بوطء قدميك قمة السماء ، كما شرفت بهما أديم البطحاء ، قال : يا جبريل الكريم يدعوني ، فماذا يفعل بي؟ قال : ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال : هذا لي فما لعيالي وأطفالي؟ فإن شر الناس من أكل وحده ، قال : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : يا جبريل الآن طاب قلبي ، ها أنا ذاهب إلى ربي. فقرب له البراق ، فقال : ما لي بهذا؟ قال : مركب العشاق ، قال : أنا مركبي شوقي وزادي توقي ودليلي ليلي ، أنا لا أصل إليه إلا به ، ولا يدلني عليه إلا هو ، وكيف يطيق حيوان ضعيف أن يحمل من يحمل أثقال محبته ، ورواسي معرفته ، وأسرار أمانته التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال؟ وكيف تطيق أن تدل بي وأنت الحائر عند سدرة المنته ، وقد أنتهي إلى حضرة ليس لها منته؟ يا جبريل أين أنت مني ولي وقت لا يسعني فيه غير ربي ، يا جبريل إذا كان محبوبي ليس كمثله شيء فأنا لست كأحدكم ، المركوب يقطع به المسافات ، والدليل يستدل به إلى الجهات ، وإنما ذلك محل الحدثات ، وأنا حبيبي مقدس عن الجهات ، منزه عن الحدثات ، لا يوصل إليه بالحركات ، ولا يستدل عليه بالإشارات ، فمن عرف المعاني عرف ما أعاني ، هلم إن قربي منه مثل قاب قوسين أو أدنى. فوقعت هيئة الوقت
__________________
(١) أي ستذهب إلى حضرة لا توصف بأين ، وهي ظرف مكان.
(٢) الكروبيون أعلى صنف من الملائكة.