ما عَلَوْا تَتْبِيراً) (٧)
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) اعلم أن التكاليف إن عملتها لا يعود على الله منها نفع ، وإن أنت لم تعملها لا يتضرر بذلك ، وأن الكل يعود عليك ، فالزم الأحسن إليك تكن محسنا إلى نفسك.
(عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) (٨)
اعلم أيدك الله أن جهنم من أعظم المخلوقات ، وهي سجن الله في الآخرة ، وسميت جهنم جهنم لبعد قعرها ، يقال : بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر ، وهي تحوي على حرور وزمهرير ، ففيها البرد على أقصى درجاته والحرور على أقصى درجاته ، وهي الآن مخلوقة وتحدث فيها آلات التعذيب بحدوث أعمال الجن والإنس الذين يدخلونها ، وجميع ما يخلق فيها من الآلام التي يجدها الداخلون فيها من الغضب الإلهي ، ولا يكون ذلك إلا عند دخول الخلق فيها من الجن والإنس متى دخولها ، وأما إذا لم يكن فيها أحد من أهلها فلا ألم فيها في نفسها ولا في نفس ملائكتها ، بل هي ومن فيها من زبانيتها في رحمة الله منغمسون ملتذون يسبحون لا يفترون ، وحد جهنم بعد الفراغ من الحساب ودخول أهل الجنة الجنة من مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى أسفل سافلين ، فهذا كله يزيد في جهنم مما هو الآن ليس مخلوقا فيها ، ولكن ذلك معد حتى يظهر ، إلا الأماكن التي عيّنها الله من الأرض ، فإنها ترجع إلى الجنة يوم القيامة ، مثل الروضة التي بين منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين قبره صلىاللهعليهوسلم ، وكل مكان عيّنه الشارع وكل نهر فإن كل ذلك يصير إلى الجنة ، وما بقي فيعود نارا كله وهو من جهنم ، وأشد الخلق عذابا في النار إبليس الذي سن الشرك وكل مخالفة ، وعذابه بما فيها من الزمهرير ، فإنه يقابل النار الذي هو أصل نشأة إبليس (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) يريد سجنا يحصرهم فيه ، لأن المحصور مسجون ممنوع من التصرف ، بخلاف أهل الجنة فإن لهم التبوّأ منها حيث يشاؤون وليس كذلك أهل النار.
(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ