الأوابون من رجال ونساء تولاهم الله بالأوبة في أحوالهم يقال آبت الشمس لغة في غابت ، فالرجال الغائبون عند الله فلم يشهد حالهم مع الله أحد من خلق الله فإن الله وصف نفسه بأنه غفور لهم أي ساتر أي يستر مقامهم عن كل أحد سواه لأنهم طلبوا الغيبة عنده حتى لا يكون لهم مشهود سواه سبحانه ، والآيب أيضا الذي يأتي القوم ليلا كالطارق والليل ستر ، وهم الراجعون إلى الله في كل حال من كل ناحية يقال : جاؤوا من كل أوبة أي ناحية ، فالأواب الراجع إلى الله من كل ناحية من الأربع التي يأتي منها إبليس إلى الإنسان من ناحية أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فهم يرجعون في ذلك كله إلى الله أولا وآخرا.
(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) (٢٦)
ـ إشارة ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أهل القرآن هم أهل الله وخاصته] اعلم أن المتصدق على أهل الله هو المتصدق على أهله إذا كان المتصدق بهذه المثابة ، كنت يوما عند شيخنا أبي العباس العريبي بإشبيلية جالسا ، وأردنا أو أراد أحد إعطاء معروف ، فقال شخص من الجماعة للذي يريد أن يتصدق : الأقربون أولى بالمعروف ، فقال الشيخ من فوره متصلا بكلام القائل : إلى الله. فيا بردها على الكبد ، والله ما سمعتها في تلك الحالة إلا من الله ، حتى خيّل إليّ أنها كذا نزلت في القرآن ، مما تحققت بها وأشربها قلبي ، وكذا جميع من حضر ، فلا ينبغي أن يأكل نعم الله إلا أهل الله ، ولهم خلقت ، ويأكلها غيرهم بحكم التبعية ، فهم المقصودون بالنعم ومن عداهم إنما يأكلها تبعا ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [دينار أنفقته في سبيل الله ، دينار أنفقته في رقبة ، دينار تصدقت به على مسكين ، دينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك] فقول الشيخ رضي الله عنه : إلى الله ، كذلك هو الأمر في نفسه ، فلا أقرب من الله ، فهو القريب سبحانه الذي لا يبعد إلا بعد تنزيه ، وتنقطع الأرحام بالموت ولا ينقطع الرحم المنسوبة إلى الحق ، فإنه معنا حيثما كنا ، ونحن ما بيننا نتصل في وقت وننقطع في وقت بموت أو فقد وارتحال ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : [الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة].
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧)