وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦)
تعتبر هذه الآية منعا من النظر في ذات الله ، فهي لا تعلم ، فهو تعالى عن الإدراك فلم يدرك بعقل كنه جلاله ، ولم يدرك ببصر كنه ذاته عند تجليه حيثما تجلى لعباده ، فهو تعالى المتجلي الذي لا يدرك ـ الإدراك الذي يدرك فيه هو نفسه ـ لا علما ولا رؤية ، فلا ينبغي أن يقفو الإنسان علم ما قد علم أنه لا يبلغ إليه ، لذلك قال الصديق رضي الله عنه : العجز عن درك الإدراك إدراك.
تعالى عن التحديد بالفكر والخبر |
|
كما جل عن حكم البصيرة والبصر |
فليس لنا منه سوى ما يرومه |
|
على كل حال في الدلالات والعبر |
فأعلم أني ما تحققت غيره |
|
وأعلم أني ما علمت سوى البشر |
لذا منع الرحمن في وحيه على |
|
لسان رسول الله في ذاته النظر |
فقال ولا تقف الذي لست عالما |
|
به فيكون الناظرون على خطر |
فلم يولد الرحمن علما ولم يلد |
|
وجودا فحقق من نهاك ومن أمر |
(كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) اسم كان هو النفس المدبرة ، تسأل النفس عن سمعه وبصره وفؤاده ، وتدل هذه الآية على أن الأعضاء المكلفة طاهرة بحكم الأصل ، لا تزول عنها تلك الطهارة والعدالة ، وتستشهد يوم القيامة وتقبل شهادتها لزكاتها الأصلية ، وبدأ الحق في هذه الآية بالسمع وإن كان من خدم القلب ، لأن السمع إنما يكون بالقلب ، ولأنه أعم الأعضاء فائدة في الشرائع ، إذ لا بد للإنسان من معلم مرشد ، داخل فيه أو خارج عنه ، وجميع التكليف الوارد على القلب بذاته أو بواسطة الأعضاء إنما يوجد من قبل السمع ، ويدخل في ذلك قلب غير المؤيد بالوحي الإلهي أو المؤيد إذ قيل : فبهداهم اقتده ، وثنّى بالبصر ، لأنه أعظم شاهد بتصديق المسموع منه ، وبه حصول ما به التفكر والاعتبار غالبا ، تنبيها على عظمة ذلك ، وإن كان البصر هو القلب ، ثم رجع إلى الفؤاد الذي هو العمدة في ذلك ، فتقديمهما على جهة التعظيم له ، كما يقال : الجناب والمجلس ، وهما المبلغان إليه وعنه ، وفي تكليفه تكليف جميع خدمه ، وإنما شاركاه بالذكر تنبيها على عظيم مشاركتهما