عليك من الحقوق من جانب الله تعالى ، فإن علمت أنك تقوم به فحينئذ ، وإلا فدعه سبحانه يختار لك ما يعلم فيه صلاحك ، وانظر في قوله تعالى في شرط المائدة : «فمن كفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين» وذلك بمنزلة من يطلب الإمارة فيوكل إليها ، وإن جاءته من غير طلب بعث الله إليه ملكا يسدده ، وإلى ذلك أشرنا بقولنا : لا تطلب مائدة حتى تعرف شرطها ، ولا تقصد رفعها وحطها ، حتى تعرف معناها ، وما أراد بها مولاها.
(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (١١٦)
هذا القول لا يكون إلا يوم القيامة ، فما وقع ، فعبر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه ولا بد ، وزوال حكم الإمكان فيه إلى حكم الوجوب ، وكل ما كان بهذه المثابة فحكم الماضي والمستقبل فيه على السواء ، وسياقه بالماضي آكد في الوقوع وتحققه من بقائه على الاستقبال (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟) هذا سؤال تقرير واستفهام ، فإن الاستفهام لا يكون إلا مع عدم العلم في نفس الأمر ، أو مع إظهار عدم العلم لتقرير المستفهم من استفهمه على ما استفهمه مع علم المستفهم بذلك ، فعلة الاستفهام عدم العلم ، والباعث على الاستفهام يختلف باختلاف المستفهم ، فإن كان عالما بما استفهم عنه فالمقصود به إعلام الغير ، حيث ظنوا وقالوا خلاف ما هو الأمر عليه. وأداة الاستفهام هذه لا ينبغي أن تكون إلا من الأعلى في حق الأدنى ، فقوله تعالى لعيسى عليهالسلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ)؟ قد يكون تقريرا للحجة على من عبد عيسى عليهالسلام وأمه وقالوا إنهما إلهان ، فإن من الاستفهام ما يكون إيهاما ، وهو استفهام العالم عما هو به عالم ، وبه يقع من العالم لإقامة الحجة في الجواب فقال تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)؟ بحضور من نسب إليه ذلك من العابدين له من النصارى ، فتبرأ عيسى بحضورهم من هذه النسبة ، فيقول : «سبحانك» ، فقدّم التنزيه وحدد بالكاف التي