وجوارحه ، فكل شيء في العالم يقال فيه عند أهل النظر وفي العامة إنه ليس بحي ولا حيوان ، فإن الله عندنا قد فطره لمّا خلقه على المعرفة به والعلم ، وهو حي ناطق بتسبيح ربه ، يدركه المؤمن بإيمانه ويدركه أهل الكشف عينا ، وأما الحيوان ففطره الله على العلم به تعالى ونطّقه بتسبيحه ، وجعل له شهوة لم تكن لغيره من المخلوقات ، وفطر الملائكة على المعرفة والإرادة لا الشهوة ، وفطر الجن والإنس على المعرفة والشهوة ـ وهو تعلق خاص في الإرادة ـ لأن الشهوة إرادة طبيعية ، فليس للإنس والجن إرادة إلهية كما للملائكة بل إرادة طبيعية تسمى شهوة ، وفطرهما على العقل لا لاكتساب العلم ، ولكن جعله الله آلة للإنس والجن ليردعوا به الشهوة في هذه الدار خاصة لا في الدار الآخرة ، فإذا استفاد الإنسان أو الجان علما من غير كشف فإن ذلك مما جعل الله فيه من قوة الفكر ، فكل ما أعطاه الفكر للنفس الناطقة وكان علما في نفس الأمر فهو من الفكر بالموافقة ، فالعلوم التي في الإنسان إنما هي بالفطرة والضرورة والإلهام ، والكشف الذي يكون له إنما يكشف له عن العلم الذي فطره الله عليه ، فيرى معلومه وأما بالفكر فمحال الوصول به إلى العلم ، وأما الإلهام والإعلام الإلهي فتتلقاه النفس الناطقة من ربها كشفا وذوقا من الوجه الخاص الذي لها ولكل موجود سوى الله ، فالفكر الصحيح لا يزيد على الإمكان وما يعطي إلا هو ، ومن علم البهائم بالله ولما خلقت له ، ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إن بقرة في زمن بني إسرائيل حمل عليها صاحبها ، فقالت : ما خلقت لهذا ، وإنما خلقت للحرث ، فقال الصحابة : أبقرة تكلم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر] ومر بعض أهل الله على رجل راكب على حمار وهو يضرب رأس الحمار حتى يسرع في المشي ، فقال له الرجل : لم تضرب على رأس الحمار؟ فقال له الحمار : دعه فإنه على رأسه يضرب. فهذا حمار قد علم ما تؤول إليه الأمور بالفطرة ، وكان ابن عطاء راكبا على جمل فغاصت رجل الجمل ، فقال ابن عطاء الله : جل الله ، فقال الجمل : جل الله يزيد على إجلالك. فكان الجمل أعلم بالله من ابن عطاء ، فاستحى ابن عطاء ، فهذه البهائم تعرفك وتعرف ما يؤول إليه أمرك ، وتعرف ما خلقت له ، وأنت جهلت هذا كله مع قول الله تعالى لك (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فانظر يا محجوب أين مرتبتك من البهائم؟ فكم بيّن الله لنا ما هي المخلوقات عليه من العلم بالله والطاعة له والقيام بحقه ولا نؤمن ولا نسمع ، ورجحنا حسّنا على الإيمان بما عرّفنا به