(وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) مع أن النبوة موجودة ، فما زالوا في النبوة مع فضل بعضهم على بعض ، فتفضل منازلهم بتفاضلهم وإن اشتركوا في الدار ، فقوله تعالى (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) بما يقتضيه الشرف مع اجتماعهم في درجة النبوة ، أي يزيد كل واحد على صاحبه برتبة تقتضي المجد والشرف ، أي جعلنا عند كل واحد من صفات المجد والشرف ما لم نجعل عند الآخر ، فقد زاد بعضهم على بعض في صفات الشرف والمراتب التي فضلوا بها بعضهم على بعض ، أي أعطينا هذا ما لم نعط هذا ، وأعطينا هذا ما لم نعط من فضله ولكن من مراتب الشرف ، فمنهم من كلم الله ، وآتينا عيسى البينات وأيدناه بروح القدس ، ومنهم من فضل بأن خلقه بيديه وأسجد له الملائكة ، ومنهم من فضل بالكلام القديم الإلهي بارتفاع الوسائط ، ومنهم من فضل بالخلة ، ومنهم من فضل بالصفوة وهو إسرائيل يعقوب ، فهذه كلها صفات شرف ومجد ، ولا يقال : إن خلّته أشرف من كلامه ولا أن كلامه أفضل من خلقه بيديه ، بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الكثرة ولا المفاضلة ، ومذهب الجماعة أن كل واحد من الأنبياء فاضل مفضول ، فخص آدم بعلم الأسماء الإلهية ، وخص موسى بالكلام ، وخص رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما ذكر عن نفسه ، وخص عيسى بكونه روحا ، ومع علمنا بأن الله فضّل بعضهم على بعض ، فله سبحانه أن يفضل بين عباده بما شاء ، وليس لنا ذلك ، فإنا لا نعلم ذلك إلا بإعلامه ، فإن ذلك راجع إلى ما في نفس الحق سبحانه منهم ، ولا يعلم أحد ما في نفس الحق ، ولا دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحكم ، وقد نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن نفضل بين الأنبياء وأن نفضله صلىاللهعليهوسلم عليهم إلا بإعلامه أيضا ، وعيّن يونس عليهالسلام وغيره ، فمن فضّل من غير إعلام الله فقد خان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتعدى ما حده له رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وجه في هذه المفاضلة ـ الرسالة ونبوة الشرائع المتعدية إلى الأمم ، والخاصة بكل نبي ، اختصاص إلهي في الأنبياء والرسل لا ينال بالاكتساب ولا بالتعمل ، وخطاب الحق قد ينال بالتعمل ، والذي يخاطب به إن كان شرعا يبلّغه أو يخصه ، ذلك هو الذي نقول فيه : لا ينال بالتعمل ولا بالكسب ، وهو الاختصاص الإلهي المعلوم ، فكل شرع ينال به عامله هذه المرتبة فإن نبي ذلك الشرع من أهل هذا المقام ، وهو زيادة على شريعة نبوته له ، فضلا من الله ونعمة ، وكل شرع لا ينال العامل به هذا المقام فإن نبي ذلك الشرع لم يحصل له هذا المقام الذي