حصل لغيره من أنبياء الشرائع ، فهذا وجه من الوجوه التي قال تعالى فيها : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) وقوله تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) قال الخضر لموسى في هذا المقام (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) فإن موسى عليهالسلام في ذلك الوقت لم يكن له هذا المقام الذي نفاه عنه العدل بقوله ، وتعديل الله إياه بما شهد له به من العلم ، وما رد عليه موسى في ذلك ولا أنكر عليه بل قال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً).
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (٥٦)
ـ تحقيق ـ تعلم الخصام ، فإن الحق سيجعلك بين المشتركين ، فلا تتخلص منهم إلا بالحجة ، فانظر من عبد غير الحق فقل له : مالك وكذا؟ اطلب منه كذا. ولا يكون هذا القول إلا غيرة منك في حق الحق ، فإن الذي يطلبه منهم لا يكون ، فتبقى حجتهم داحضة ، وإن قلت ذلك لا من أجل الغيرة يكون ما طلبت منهم ، فيزداد الكافر كفرا ، وقد ترتاب أنت ، فلا تتعرض للفتن إلا بقدم راسخة عند الحق ، ومن لا قدم له عند الحق لا صدق له ، ومن لا صدق له سقط حظه من الحق.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (٥٧)
(وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) إن الرجاء مقام مخوف ، يحتاج صاحبه إلى أدب حاضر حاصل ومعرفة ثابتة لا يدخلها شبهة ، فإنه مقام على جانب الطريق ما هو في نفس الطريق ، تحته مهواة بأدنى زلة يسقط صاحبه من الطريق ، وهو على طريق الحياة الدائمة التي بها بقاء العالم في النعيم ، والحال التي ينبغي أن يظهر سلطانه فيها عند الاحتضار ، وأما قبل ذلك فيساوى بين حكمه وحكم الخوف إن كان مؤمنا حقيقة ، قال الله تعالى : [أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا] وكذلك ينبغي أن يظن بنفسه شرا لا بربه ، إلا عند الموت يشتغل بربه في تلك الحال ويظن به خيرا ، ويعرض عن ظنه بنفسه جملة واحدة ، بخلاف حاله في دنياه.