(لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) شقي بها ، كما تعب المكلف فيما سأله من التكليف ، فإبليس مصدّق لله فيما أخبر به عنه ممتثل أمر الله بشبهة في أمره في قوله (وَعِدْهُمْ) فأخبر الله تعالى عنه (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) فما جاء إبليس إلا بأمر الله تعالى ، وهو أمر إلهي يتضمن وعيدا وتهديدا ، ولكن لطف الله بإبليس بأن جعل له متعلقا يتعلق به في موطن خاص ، فأدرج الرحمة من حيث لا يشعر بها ، ولو شعر إبليس بهذا الاستدراج الرحماني ، ما طلب الرحمة من عين المنة ، ولكن حجبته قرائن الأحوال عن اعتبار صفة الأمر الإلهي ، وكان ابتلاء شديدا في حقنا ، ليريه تعالى أن في ذرية آدم من ليس لإبليس عليه سلطان ولا قوة فقال تعالى.
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) (٦٥)
كلّما قربت أحوالك من أحوال الأنبياء أي باتباع الرسول والجري على سنته ، كنت في العبودة أمكن ، وكانت لك الحجة ، ولم يكن للشيطان عليك سلطان ، كما قال تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) وقال (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) فلا أثر للشيطان فيهم ، فإن السجدة القلبية إذا حصلت للإنسان حالة مشاهدة عين فقل كمل وكملت معرفته وعصمته فلم يكن للشيطان عليه سبيل ، وتسمى هذه العصمة في حق الولي حفظا كما تسمى في حق النبي والرسول عصمة ، ليقع الفرق بين الولي والنبي ، فالأنبياء محفوظون ظاهرا وباطنا ، والولي محفوظ من الأمر الذي يقصد الشيطان عند إلقائه في قلب الولي ما شاء الله أن يلقي إليه ، فيقلب عينه بصرفه إلى الوجه الذي يرضي الله ، فيحصل بذلك على منزلة عظيمة عند الله ، ولو لا حرص إبليس على المعصية ما عاد إلى هذا الولي مرة أخرى ، فإنه يرى ما جاءه به ليبعده بذلك من الله يزيده قربا وسعادة ، والأنبياء معصومون أن يلقي الشيطان إليهم ، فلهم العصمة من الشيطان ظاهرا وباطنا ، وهم المحفوظون من الله في جميع حركاتهم ، وذلك لأنهم قد نصبهم الله للناس ، ولهم المناجاة الإلهية ، فالأنبياء المرسلون معصومون من المباح أن يفعلوه من أجل نفوسهم ، لأنهم يشرعون بأفعالهم وأقوالهم ، فإذا فعلوا مباحا يأتونه للتشريع ليقتدى بهم ، ويعرفون الأتباع عين الحكم الإلهي فيه ، فهو واجب عليهم ليبينوا للناس ما أنزل إليهم. فهذا الفرق بين العصمة والحفظ ، وإنما جعلوا الحفظ للولي أيضا أدبا مع النبي ، فإن الشيطان ما له سبيل على قلوب بعض الأولياء من