يقل أوتيتم ، بل كان يقول أوتيتم الطريق إلى تحصيله ، لا هو ، ونحن نعلم أن ثمّ علما اكتسبناه من أفكارنا ومن حواسنا ، وثمّ علما لم نكتسبه بشيء من عندنا بل هبة من الله عزوجل ، أنزله في قلوبنا وعلى أسرارنا فوجدناه من غير سبب آخر ظاهر ، مثل قوله في عبده خضر (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) وليست الآية بنص في الوهب ، ولكن له وجهان : وجه يطلبه (أُوتِيتُمْ) ووجه يطلبه (قَلِيلاً) من الاستقلال ، أي ما أعطيتم من العلم إلا ما تستقلون بحمله ، وما لا تطيقونه ما أعطيناكموه فإنكم ما تستقلون به ، فيدخل في هذا العطاء علوم النظر ، فإنها علوم تستقل العقول بإدراكها. وأما إذا كان السؤال عن الماهية فيكون قوله تعالى (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي الروح الذي هو من أمر ربي هو الذي لم يوجد عن خلق ، فإن عالم الأمر كل موجود لا يكون عند سبب كوني يتقدمه ، فقد قال البعض : إن الروح من عالم الأمر وليس من عالم الخلق اصطلاحا ، ومن هنا للتبيين ، وأرادوا بعالم الأمر كل ما صدر عن الله بلا واسطة إلا بمشافهة الأمر العزيز ، وعالم الخلق كل موجود صدر عن سبب متقدم من غير مشافهة الأمر ، التي هي الكلمة التي لا يتصور واسطة في حقه البتة ، وأما من دونه فلا بد من واسطة. ولما أوجد الله تعالى الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع ، أوجدها في مقام الجهل ومحل السلب ، أي أعماه عن رؤية نفسه فبقي لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر ، وكان الغذاء فيه ، الذي هو سبب حياته وبقائه وهو لا يعلم ، فحرك الله همته لطلب ما عنده وهو لا يدري أنه عنده ، فأخذ في الرحلة بهمته ، فأشهده الحق تعالى ذاته فسكن ، وعرف أن الذي طلب لم يزل به موصوفا ، وعلم ما أودع الله فيه من الأسرار والحكم ، وتحقق عنده حدوثه وعرف ذاته معرفة إحاطية ، فكانت تلك المعرفة له غذاء معينا يتقوت به وتدوم حياته إلى غير نهاية ، فقال له عند ذلك التجلي الأقدس : ما اسمي عندك؟ فقال : أنت ربي ، فلم يعرفه إلا في حضرة الربوبية ، وتفرد القديم بالألوهية فإنه لا يعرفه إلا هو ، فقال له سبحانه : أنت مربوبي وأنا ربك ، أعطيتك أسمائي وصفاتي ، فمن رآك رآني ، ومن أطاعك أطاعني ، ومن علمك علمني ، ومن جهلك جهلني ، فغاية من دونك أن يتوصلوا إلى معرفة نفوسهم منك ، وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك لا بكيفيتك ، كذلك أنت معي لا تتعدى معرفة نفسك ولا ترى غيرك ، ولا يحصل لك العلم بي إلا من حيث الوجود ، ولو أحطت علما بي لكنت أنت أنا ، ولكنت