محاطا لك ، وكانت أنيتي أنيتك ، وليست أنيتك أنيتي. فأمدك بالأسرار الإلهية وأربيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها ، إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها ، إذ لو عرفتها لا تحدث الإنية ، واتحاد الإنية محال ، فمشاهدتك لذلك محال ، واعلم أن من دونك في حكم التبعية لك كما أنت في حكم التبعية لي ، فأنت ثوبي وأنت ردائي وأنت غطائي. ثم خلق الله من الروح النفس وهي أول مفعول عن الانبعاث ـ بحث ـ في قوله تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) اعلم أن الله خلق الأرواح على ثلاث مراتب لا رابع لها : أرواح ليس لهم شغل إلا تعظيم جناب الحق ، ليس لهم وجه مصروف إلى العالم ولا إلى نفوسهم ، قد هيمهم جلال الله واختطفهم عنهم ، فهم فيه حيارى سكارى ، وأرواح مدبرة أجساما طبيعية أرضية ، وهي أرواح الأناسي وأرواح الحيوانات وأرواح كل شيء ، فإن كل شيء مسبح بحمد ربه ولا يسبح إلا حي ، وأرواح مسخرات لنا وهم على طبقات كثيرة ، فمنهم الموكل بالوحي والإلقاء ، ومنهم الموكل بالأرزاق ، ومنهم الموكل بقبض الأرواح ، ومنهم الموكل بإحياء الموتى ، ومنهم الموكل بالاستغفار للمؤمنين والدعاء لهم ، ومنهم الموكلون بالغراسات في الجنة جزاء لأعمال العباد ، والأرواح حياتها ذاتية لها ، لذلك لم يصح فيها موت البتة. واعلم أن الأرواح المدبرة للأجسام العلوية والسفلية لها أحكام فيها ، فحكمها في الأجسام النورية هو تشكلها في الصور خاصة ، كما أن حكمها في الأجسام الحيوانية الإنسانية التشكل في القوة الخيالية مع غير هذا من الأحكام ، فإن الأجسام النورية لا خيال لها بل هي عين الخيال ، والصور تقلباتها عن أرواحها المدبرة لها ، فكما لا يخلو خيال الإنسان عن صورة كذلك ذات الملك لا تخلو عن صورة ، وبيد هذه الأرواح تعيين الأمور التي يريدها الحق ، بهذه الأجسام كلها. واعلم أن الناس قد اختلفوا في أرواح صور العالم ، هل هي موجودة عن صورة أو قبلها أو معها؟ ومنزلة الأرواح في صور العالم كمنزلة أرواح صور أعضاء الإنسان الصغير ، كالقدرة روح اليد ، والسمع روح الأذن ، والبصر روح العين ، والتحقيق عندنا أن الأرواح المدبرة للصور كانت موجودة في حضرة الإجمال غير مفصلة لأعيانها ، مفصلة عند الله في علمه ، فكانت في حضرة الإجمال كالحروف الموجودة بالقوة في المداد ، فلم تتميز لأنفسها وإن كانت متميزة عند الله مفصلة في حال إجمالها ، فلما سوى الله صور العالم ، أي عالم شاء ، كان الروح