أعطى الله عباده ، وهو قوله (وَما أُوتِيتُمْ) أي أعطيتم ، وقال في حق عبده خضر (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) وقال (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) فهذا كله يدلك على أنه نسبة ، لأن الواحد في ذاته لا يتصف بالقلة ، ولا بالكثرة لأنه لا يتعدد ، فإن كان العلم نسبة فإطلاق القلة والكثرة عليه إطلاق حقيقي ، فإن النسب لا تتناهى لأن المعلومات لا تتناهى ، فيمكن على هذا أن يكون لكل معلوم علم ، وإن كان غير ذلك فإطلاق القلة والكثرة عليه إطلاق مجازي ، وكلام العرب مبني على الحقيقة والمجاز عند الناس ، وإن كنا خالفناهم في هذه المسئلة بالنظر إلى القرآن ، فإنا ننفي أن يكون في القرآن مجاز بل في كلام العرب ـ رقيقة ـ كان الشيخ أبو مدين يقول إذا سمع من يتلو هذه الآية (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) القليل أعطيناه ما هو لنا بل هو معار عندنا وهبناه عناية منه والكثير منه لم نصل إليه ، فنحن الجاهلون على الدوام فليس لنا شيء ندعيه.
(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨)
ما منع المعارض إلا من العربي لا من الأعجمي ، فاختص الإعجاز بالقرآن ، وإن كانت الكتب المنزلة كلام الرحمن ، لكن البيان والشرف والامتنان ، والمجد العظيم الشان ، إنما ظهر في اللسان عند البيان ، فهذا القرآن هو معجزة الرسول ، رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد ثبت أنه معجزته بطلب معارضته والعجز عن ذلك ، ثم قطع أن المعارضة لا تكون أبدا بهذه الآية الإخبارية (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) فليس في مقدور البشر أن يأتوا بمثل هذا القرآن (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) أي معينا من الجن والإنس ، وذلك لأنه القول المعجز وهو قول الحق والصدق ، ولأنه أتى من خزائن الحجة ـ محمد خير مبعوث من الرسل ـ
أتى بإعجاز قول لا خفاء به |
|
أعجازه انعطفت منه على الأول |
حوى على كل لفظ معجز ولذا |
|
حوى على كل علم جاء من مثل |