يعني من جنسهم ، فإن كل نذير من جنس من بعث إليه ، وإنما جعل الرسول من الجنس لاستخراج عيب النفس ، وأنزل بلسان قومه لرفع اللبس ، فالرسول من جنس المرسل إليه ، لذلك قال ملكا رسولا ، ولم يقل رجلا ، لأن المرسل إليهم ملائكة ، فإن دعا أمر أن يكون من غير الجنس في الحقيقة ، فلا بد وأن يظهر لهم في صورة الجنس في عالم تمثيل الرقيقة ، مثل تمثل الروح لمريم بشرا سويا ـ
خليفة القوم من أبناء جنسهم |
|
لأن ذلك أنكى في نفوسهم |
لو لم يكن منهم لصدقوه ولم |
|
يقم بهم حسد لغير جنسهم |
ـ إشارة ـ الفرق بين الخلافة والرسالة ، ومعرفة النبوة والولاية : الرسالة عرش الرب وسماء المربوب ، ومقام الرسول بينهما ، لأنه طالب مطلوب ، فلو لم ينادى الرسول من مقامه الإلهي ما أجاب ، ولو سقي من غير مشربه ما طاب ، فإن قيل له في ذلك الخطاب : بلغ ما أنزل إليك من ربك فذلك الرسول ، وإن زيد عليه : وقاتلهم إن أبوا القبول ، فذلك الخليفة الرسول ، فله أن يصول ، فقد مضى زمن النبوة المشهورة ، وأنت في زمن النبوة المستورة ، فلو نزلت عليك في عالم الكون والفساد ، لكفرك أهل النظر في الاعتقاد ، فإنّ بغلبة الحال تقول : قلت وقال ، وهنا قد ارتفع الإنكار ، وزال الاضطرار ، فالرسول وجّه إلى قومه ، والنبي تعبد في نفسه إلى يومه ، والولي أيقظه الرسول من نومه ، فالرسول هو الإمام ، والولي هو المأموم ، والنبي إمام مأموم ، محفوظ غير معصوم ، والرسول من هذا النمط هو المطلوب ، ومنه وإليه يكون الهرب المرغوب ، فالمؤمن به صدقه وانصرف ، والعالم قام له البرهان فأقر بصدقه واعترف ، والجاهل نظر فيه وانحرف ، والشاك تحير فيه فتوقف والظان تخيل وما عرف ، والناظر تطلع وتشوف ، والمقلد مع كل صنف تصرف ، إن مشى متبوعه مشى ، وإن وقف وقف ، فهو معه حيثما كان إما في النجاة وإما في التلف (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ، فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ) فأسكنه تقليده دار البوار.
(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ