به (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أعطوا العلامات التي تعطي اليقين والطمأنينة في الأشياء (مِنْ قَبْلِهِ) ممن تقدمه من أمثاله (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) تتبع آياته بعضها بعضا بالمناسبة التي بين الآية والآية (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) يقعون على وجوههم مطأطئين أذلاء ، والسجود التطاطي ، يقال : أسجد البعير إذا طأطأه ليركبه.
(وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) (١٠٨)
(وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) أي وعده صدق وكلامه حق (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) واقعا كما وعد ، الوعد يستعمل في الخير والشر ، والوعيد في الشر خاصة ، فالوعد في الخير من الله لا بد منه ، والوعيد قد يعفو ويتجاوز عنه ، فإنه من صفة الكريم عند العرب ومما تمدح به الأعراب ساداتها وكبراءها يقول شاعرهم :
وإني إذا أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (١٠٩)
(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) على ما فرط منهم مما لا يستدركونه ولو عفا (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) أي ذلة ، فهذه السجدة سجدة العلماء ، وهي سجود تسليم وبكاء وخشوع وزيادة في الخشوع.
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١١٠)
لما أنكروا الاسم الرحمن وقالوا (وَمَا الرَّحْمنُ)؟ قيل لهم (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) فما أنكر أحد الله وأنكر الرحمن ، فقالوا : وما الرحمن؟ فكان مشهد الألوهة أعم لإقرار الجميع بها ، فإنها تتضمن البلاء والعافية ، وهما موجودان في الكون ، فما أنكرهما أحد ، ومشهد الرحمانية لا يعرفه إلا المرحومون بالإيمان ، وما أنكره إلا المحرومون من حيث