ناس ، ولكن أوجبت روح أوامرك في أسرار الكائنات ، فذكرك الناسي بنسيانه ، وأطاعك العاصي بعصيانه ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، إن عصى داعي إيمانه ، فقد أطاع داعي سلطانك ولكن قامت عليه حجتك ، فلله الحجة البالغة ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١١٩)
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون ... (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فالرضى منا ومنه ـ الوجه الأول ـ رضي الله عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود (وَرَضُوا عَنْهُ) بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة ـ الوجه الثاني ـ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) : بما أعطاه العبد من نفسه رضي الله به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي الله منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها (وَرَضُوا عَنْهُ) رضي العبد من الله بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن الله في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته ـ الوجه الثالث ـ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) في يسير العمل (وَرَضُوا عَنْهُ) في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم الله رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم. ـ الوجه الرابع ـ أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ). وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع