الظلمة ، ما هو الإله الذي خلق النور ، فعدلوا بالواحد الآخر ، وكذلك الذين يقولون بخلق السموات والأرض ، إنها معلولة لعلة ليست علته الإله ، أي ليست العلة الأولى ، لأن العلة عندهم إنما صدر عنها أمر واحد لحقيقة أحديتها وليس إلا العقل الأول ، فهؤلاء أيضا مما قيل فيهم إنهم بربهم يعدلون ، وسماهم كفارا لأنهم إما ستروا ، أو منهم من ستر عقله عن التصرف فيما ينبغي له بالنظر الصحيح في إثبات الحق ، والأمر في نفسه على ما هو عليه ، فاقتصر على ما بدا له ، ولم يوف الأمر حقه في النظر. وإما إن علم وجحد فستر عن الغير ما هو الأمر عليه في نفسه ، لمنفعة تحصل له من رياسة أو مال ، فلهذا قيل فيهم : إنهم كفروا أي ستروا.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (٢)
ـ الوجه الأول ـ الأجل المقضي هو الموت الاختياري ، وهو موت في حياة دنياوية ، ولما كان هذا الأجل المقضي معلوم الوقت عند الله مسمى عنده ، كان حكمه حكم الأجل المسمى ، وهو الموت الاضطراري في العموم والعرف فمن قتل نفسه في الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس ، رزقه الله حكم الشهادة ، فموته معنوي في حياته الدنيا ، وقتله مخالفة نفسه ـ الوجه الثاني ـ (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) وهو نهاية عمر كل حي يقبل الموت (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) وهو ميقات حياة كل من كان قبل الموت في حياته الأولى ، وهو المعبر عنه بالبعث ، ولذلك قال تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) يعني فيه فإنّ الموت لا يمترون فيه ، فإنه مشهود لهم في كل حيوان مع الأنفاس ، وإنما وقعت المرية في البعث وهو الأجل المسمى المذكور.
(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) (٣)
(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) بيده ميزان الرفع والخفض (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ) من حيث اسمه الباطن ، ويعلم (جَهْرَكُمْ) من حيث اسمه الظاهر ، فهو معكم بكل أسمائه (يَعْلَمُ