أول ابتلاء ابتلى الله به خلقه بعث الرسل إليهم منهم لا من غيرهم ، وإنما جعل الرسول من الجنس لاستخراج عيب النفس ، وأنزل بلسان قومه لرفع اللبس ، فالرسول من جنس المرسل إليه ، فإن دعا أمر أن يكون من غير الجنس في الحقيقة فلا بد وأن يظهر لهم في صورة الجنس في عالم تمثيل الرقيقة ، مثل تمثل الروح لمريم بشرا سويا.
خليفة القوم من أبناء جنسهم |
|
لأن ذلك أنكى في نفوسهم |
لو لم يكن منهم لصدقوه ولم |
|
يقم بهم حسد لغير جنسهم |
فتنكر الأشخاص للجنسية ، وهي الفتنة الإلهية وقال تعالى : (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) وقالوا : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) وقال تعالى : (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) فهم ينظرون ظاهره وينكرونه إنكارا يؤدي إلى الموت.
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٢)
الرحمة ثلاث رحمات : الرحمة الذاتية ، ومنها الرحمة المخلوقة في عباده ليتراحموا بها ، والرحمة الثانية : هي الرحمة المكتوبة ، وهي منفصلة عن الرحمة الذاتية ، والرحمة الثالثة : هي الرحمة الامتنانية التي وسعت كل شيء ، فمن كرمه تعالى كتب على نفسه الرحمة ، أي أوجب وفرض على نفسه الرحمة ، لم يوجب ذلك عليه موجب ، بل هو سبحانه الموجب على نفسه منة منه وفضلا علينا ، فإنه لا يجب على الله شيء بإيجاب موجب غير نفسه ، فإن أوجب هو على نفسه أمرا ما ، فهو الموجب والوجوب والموجب عليه لا غير ، ومع أن الحق أوجب على نفسه ، فإن الحقيقة تعطي أن العبد لا يستحق شيئا على سيده فمن منته سبحانه على عبده أن أوجب له على نفسه ليأنس العبد بما أوجبه الحق عليه من طاعته ليسارع