بأداء ما وجب عليه فقال تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ومن رحمة الله أنه قال : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) فما نجتمع إلا فيما نفترق فيه وهو الإقرار بربوبيته سبحانه ، وإذا جمعنا من حيث إقرارنا له بالربوبية ، فهي آية بشرى وذكر خير في حقنا بسعادة الجميع ، وإن دخلنا النار ، فإن الجمعية تمنع من تسرمد الانتقام ، لا إلى نهاية ، لكن يتسرمد العذاب ، وتختلف الحالات فيه ، فإذا انتهت حالة الانتقام ووجدان الآلام ، أعطي من النعيم والاستعذاب بالعذاب ما يليق بمن أقر بربوبيته ، ثم أشرك ثم وحّد في غير موطن التكليف ، والتكليف أمر عرض في الوسط بين الشهادتين لم يثبت ، فبقي الحكم للأصلين الأول والآخر.
(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٣)
(وَلَهُ ما سَكَنَ) ـ الوجه الأول ـ أي ما ثبت ، والاعتماد لا نشك أنه سكون إلى من يعتمد عليه لا بد من ذلك ، ولا يعتمد إلا على من له ثبوت الوجود ، ولا يقبل التغيير ولا الانتقال من حال الثبوت ، ومن علم أنه يقبل الانتقال من الثبوت لا يعتمد عليه ، لأنه يخون المعتمد عليه ذلك الاعتماد لارتباطه بمن لا ثبوت له ، فلا يعتمد على محدث إلا عن إعلام إلهي ، فيكون اعتمادنا على من له نعت الثبوت ، كاعتمادنا على الشرائع فيما يجب الإيمان به ، وكالإيمان الذي ثبت بإعلام الله أنه معه السعادة فيعتمد عليه ـ الوجه الثاني ـ اعلم أنه لمّا لم يكن في العالم سكون البتة ، وإنما هو متقلب دائما أبدا ، من حال إلى حال ، دنيا وآخرة ، ظاهرا وباطنا ، فإن قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي كل شيء كان ولا زال في علمه لم يخرج منه عدما ووجودا ، فهو ساكن في علم الله ليل نهار ، فدخل في ذلك السكون والحركة ـ الوجه الثالث ـ (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) والسكون ضد الحركة ، والحركة هي الدعوى في الأعمال ، والسكون هو التبري من الحركة إذا أقيم الإنسان فيها بلا حول ولا قوة إلا بالله ، فعرّى الحق خلقه في هذه الآية عن إضافة ما ادعوه لأنفسهم ، فمن فهم تنبيه الحق بأنه أخلص السكون له ، علم أن الحركة فيها الدعوى ، وأن السكون لا تشوبه دعوى ، فإنه نفي الحركة ، اختار السكون على الحركة ، وهو الإقامة على الأصل بلا حول ولا قوة إلا بالله ، فالسكون أولى من الحركة ، فإن العبد مأمور بالسكون تحت مجاري الأقدار ، وما يأتي الله إليه في الليل والنهار ، والسكون مع المشاهدة ،