والحركة مع الفقد ، إلا الحركة المأمور بها ، فالسكون بالله مع الله أولى لراحة الوقت ، لو لم يكن من شرف السكون إلا ورود الأسماء الإلهية عليك ، ونزول الحق إليك ، لأنك إن تحركت إليه حددته ، وإن سكنت معه عبدته ، فالحركة إليه عن الجهل به ، والسكون معه عين العلم به ، إذا كان الحق جليس الذاكر فإلى أين يرحل؟ (وَهُوَ السَّمِيعُ) يسمع دعواكم في نسبة ما هو له ، وقد نسبتموه إليكم (الْعَلِيمُ) بأن الأمر على خلاف ما ادعيتموه. ـ إشارة ـ (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ما أحسنه في الاعتبار! لأن ما تحرك فيه مشاركة الأغيار وما ثم سكون ، ولكن حركة ، وفي الحركة الزيادة والبركة ، فلله ما سكن في الليل والنهار ، وما ثم ساكن في الأغيار ، لا في البصائر ولا في الأبصار ، فلله ما سكن ، وهو له نعم السكن ، ولنا ما تحرك ، وبه نتملك ، فكما يكون مع الحركة البركة الكونية ، فكذلك مع السكون البركة الإلهية ، السكون ثبوت عند الحق ، والحركة خروج.
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٤)
(فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الفطر الشق ، فقوله تعالى : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هو قوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) أي فاتق السموات والأرض لتمييزها ، ففتق السموات والأرض بعد رتقهما ليتميزا (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) لا أحقر ممن يسأل أن يطعم لاقامة نشأته ، وإبقاء الحياة الحيوانية عليه ، وعلى قدر الاحتقار يكون الافتقار ، وأي افتقار أعظم ممن لا يكون له ما يريد إلا بغيره لا بنفسه؟ فقوله تعالى : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) تنزيه الحق عن حاجته لذلك وإشارة إلى نقصك وعجزك وافتقارك ، فإن الممكن إذا وجد لا بد من حافظ يحفظ عليه وجوده ، وبذلك الحافظ بقاؤه في الوجود كان ذلك الحافظ ما كان من الأكوان ، فالحفظ خلق لله ، فلذلك نسب الحفظ إليه ، والحق سبحانه غير محفوظ للعبد ، فإنه لا يقبل أن يكون محفوظا. فإنه الصمد الذي لا مثل له ، فقال لنبيه عليهالسلام ، ما يقوله لمن عبد غير الله ، ينبهم أن كل ما سوى الله من معبود ، يطلب بذاته من يحفظ عليه بقاء وجوده ، فقال له : يا محمد (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ، فاطِرِ السَّماواتِ