(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣٨)
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) في كل شيء ، أي كما انطلق عليكم اسم الأمة ، كذلك ينطلق اسم الأمة على كل دابة وطائر يطير بجناحيه ، فما من شيء في الوجود إلا وهو أمة من الأمم ، والأمثال هم الذين يشتركون في صفات النفس ، فكلهم حيوان ناطق. واعلم أن الأمثال معقولة لا موجودة ، فتطلق المثلية من حيث الحقيقة الجامعة المعقولة ، لا الموجودة ، فإن التوسع الإلهي يقتضي أن لا مثل في الأعيان الموجودة ، وأن المثلية أمر معقول متوهم ، فإنه لو كانت المثلية صحيحة ما امتاز شيء عن شيء مما يقال هو مثله ، فإن الأصل الذي نرجع إليه في وجودنا وهو الله تعالى ، ليس كمثله شيء ، فلا يكون ما يوجد عنه إلا على حقيقة أنه لا مثل له ، فكل جوهر فرد في العالم لا يقبل المثل ، فما في الوجود شيء له مثل ، بل كل موجود متميز عن غيره بحقيقة هو عليها في ذاته ، فإن أطلقت المثلية على الأشياء أطلقت عرفا ، ولم تبق المثلية الواردة في القرآن وغيره إلا في الافتقار إلى الله موجد أعيان الأشياء ، ثم قال تعالى في هذه الأمم : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) يعني كما تحشرون أنتم ، قال تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) فإنها أمم أمثالنا ، وقال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) فهو الجامع لكل شيء ، وهو القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها ، فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ، وبه صحّ لمحمد صلىاللهعليهوسلم جوامع الكلم ، فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم ، فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن ، فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل وهذا يعني أنه قد حوى جميع المعارف وأحاط بما في العلم الإلهي من المواقف وإن لم تتناه ، فقد أحاط علما بها ، وأنها لا تتناهى ، فالمريد من يجد في القرآن كل ما يريد ، وهذا لا يكون إلا إذا كان ممن ينزل القرآن على قلبه عند تلاوته ، فإن القرآن هو الجامع. واعلم أن الولي