لا يتعدى كشفه في العلوم الإلهية فوق ما يعطيه كتاب نبيه ووحيه ، قال الجنيد في هذا المقام : علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ، وقال الآخر : كل فتح لا يشهد له الكتاب والسنة فليس بشيء. فلا يفتح لولي قط إلا في الفهم في الكتاب العزيز ، لهذا قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) فلا يخرج علم الولي جملة واحدة عن الكتاب والسنة ، فإن خرج أحد عن ذلك فليس بعلم ، ولا علم ولاية معا ، بل إذا حققته وجدته جهلا ، والجهل عدم ، والعلم وجود محقق ، فالولي لا يأمر أبدا بعلم فيه تشريع ناسخ لشرعه ، ولكن قد يلهم لترتيب صورة لا عين لها في الشرع من حيث مجموعها ، ولكن من حيث تفصيل كل جزء منها وجدته أمرا مشروعا ، فهو تركيب أمور مشروعة ، أضاف بعضها إلى بعض هذا الولي ، أو أضيفت إليه بطريق الإلقاء فظهر بصورة لم تظهر في الشرع بجمعيتها. فهذا القدر له من التشريع ، وما خرج بهذا الفعل من الشرع المكلف به ، فإن الشارع قد شرع له أن يشرع مثل هذا ، فما شرع إلا عن أمر الشارع ، فما خرج عن أمره ، فمثل هذا قد يؤمر به الولي ، وأما خلاف هذا فلا. فإن قلت وأين جعل الله للولي العالم ذلك بلسان الشرع؟ قلنا : قال صلىاللهعليهوسلم : «من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا». فقد سن له أن يسن ، ولكن مما لا يخالف فيه شرعا مشروعا ، ليحلّ به ما حرم أو يحرم به ما حلل.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٠)
أي إن صدقتم ولا تكتمون ما تجدونه في نفوسكم من قولي إنكم ما تدعون في الشدائد إلا الله ، الذي ما زالت قلوبكم منطوية عليه ، فهم بلا شك مصدقون لعلمهم فهل يصدقون إذا سئلوا أم لا.