يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (٧٣)
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) وقال تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) ـ بحث في الحق المخلوق به ـ هو العقل الأول وهو القلم الأعلى ، فأول ما أوجد الله من العالم العقول المدبرة جوهرا بسيطا ليس بمادة ولا في مادة ، عالم بذاته في ذاته ، علمه ذاته لا صفة له مقامه الفقر والذلة والاحتياج إلى باريه وموجده ومبدعه ، له نسب وإضافات ووجوه كثيرة ، لا يتكثّر في ذاته بتعددها. فياض بوجهين من الفيض : فيض ذاتي ، وفيض إرادي. فما هو بالذات مطلقا لا يتصف بالمنع في ذلك ، وما هو بالإرادة فإنه يوصف فيه بالمنع والعطاء وله افتقار ذاتي لموجده سبحانه الذي استفاد منه وجوده ، وسماه الحق سبحانه وتعالى في القرآن : حقا ، وقلما ، وروحا ، وفي السنة : عقلا وغير ذلك من الأسماء. وهو أول عالم التدوين والتسطير ، وهو الخازن الحفيظ العليم الأمين على اللطائف الإنسانية التي من أجلها وجد ، ولها قصد ، فهو العقل من حيث العلم بالله ، وهو القلم من حيث التدوين والتسطير ، وهو الروح من حيث التصرف ، وهو العرش من حيث الاستواء ، وهو الإمام المبين من حيث الإحصاء ، ولا يزال هذا العقل مترددا بين الإقبال والإدبار ، يقبل على باريه ، مستفيدا فيتجلى له ، فيكشف في ذاته من بعض ما هو عليه ، فيعلم من باريه قدر ما علم من نفسه ، فعلمه بذاته لا يتناهى وطريقة علمه به التجليات ، وطريقة علمه بربه علمه به ، ويقبل على من دونه مفيدا هكذا أبد الآباد في المزيد فهو الفقير الغني ، العزيز الذليل ، العبد السيد ، ولا يزال الحق يلهمه طلب التجليات لتحصيل المعارف ، واختلفت الاعتبارات فاختلفت الأسماء. فنقول في العقل الأول عقلا لمعنى يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلما ، يخالف المعنى الذي لأجله نسميه روحا ، يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلبا ، فهذه ألقاب كثيرة اختلفت على شيء واحد لظهوره في مراتب متعددة ، قابل بذاته كل مرتبة صالح لها. ـ وجه آخر ـ راجع النحل آية ٣ (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ) الملك هو الذي يقضي فيه مالكه ومليكه بما شاء ، ولا يمتنع عنه جبرا فيسمى كرها ، أو اختيارا فيسمى طوعا (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أوتيت جوامع الكلام] وقال تعالى : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) وقال :