(وصدقت بكلمات ربها وكتابه) ويقال : قطع الأمير يد السارق وضرب الأمير اللص ، فمن ألقي عن أمره شيء فهو ألقاه فكأن الملقي محمد عليهالسلام ، ألقى عن الله كلمات العالم بأسره من غير استثناء شيء منه البتة ، فمنه ما ألقاه بنفسه كأرواح الملائكة وأكثر العالم العلوي ، ومنه أيضا ما ألقاه عن أمره فيحدث الشيء عن وسائط فرجع الكل في ذلك إلى من أوتي جوامع الكلم ، فنفخ الحقيقة الإسرافيلية من المحمدية المضافة إلى الحق نفخها كما قال تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) قرىء ننفخ بالنون وقرىء بالياء وضمها وفتح الفاء والنافخ إنما هو إسرافيل والقبول من الصور وسر الحق بينهما هو المعنى بين النافخ والقابل ، كالرابط من الحرف بين الكلمتين ، وذلك هو سر الفعل الأقدس الأنزه الذي لا يطلع عليه النافخ ولا القابل ، والصور قرن من نور لأنه نفّر ظلام الأجسام بالأجساد وزال عنها بسرعة التقليب في الصور البقاء على الأمر المعتاد ، والصور هنا جمع صورة بالصاد ، وهو الحضرة البرزخية التي ننتقل إليها بعد الموت ، ونشهد نفسنا فيها ، وسميت بالصور والناقور ، فينفخ في الصور وينقر في الناقور وهو هو بعينه واختلفت عليه الأسماء لاختلاف الأحوال والصفات. (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) اعلم أن الغيب ظرف لعالم الشهادة ، وعالم الشهادة كل موجود سوى الله تعالى ، مما وجد ولم يوجد أو وجد ثم ردّ إلى الغيب ، كالصور والأعراض وهو مشهود لله تعالى ، ولهذا قلنا : إنه عالم الشهادة. ولم يزل الحق يخرج العالم من الغيب شيئا بعد شيء إلى ما لا يتناهى عددا من أشخاص الأجناس والأنواع ، ومنها ما يرده إلى غيبه ومنها ما لا يرده أبدا ، فالذي لا يرده أبدا إلى الغيب كل ذات قائمة بنفسها وليس إلا الجواهر خاصة ، وكل ما عدا الجواهر من الأجسام والأعراض الكونية واللونية ترد إلى الغيب ، ويبرز أمثالها والله يخرجها من الغيب إلى شهادتها أنفسها. فهو عالم الغيب والشهادة والأشياء في الغيب لا كمية لها ، إذ الكمية تقتضي الحصر وهي غير متناهية ، فإذا ظهرت أعين الجواهر تبعتها النسب بكم وكيف وأين ، فليس في الوجود المحدث إلا الجوهر والنسب التي تتبعه ، فكان الغيب بما فيه كأنه يحوي على صورة مطابقة لعالمه إذ كان علمه بنفسه علمه بالعالم ، فبرز العالم على صورة العالم من كونه عالما به ، فالعالم مظهر الحق على الكمال فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم ، إذ ليس أكمل من الحق تعالى ، فلو كان في الإمكان أكمل من هذا العالم لكان ثم من هو أكمل من موجده ، وما ثم إلا الله ، فليس